عادي
متوسط المستوى ومأخوذ عن رواية «الفضيلة الوقحة»

«برايزن».. فيلم مؤنث بلا قضية نسائية

23:07 مساء
قراءة 5 دقائق

مارلين سلوم
دخلت الجريمة في مختلف أنواع القصص والكتابة السينمائية، ولم تعد حكراً على تصنيف واحد، مثل الرعب والعنف، فتجدها رفيقة الرومانسية وأفلام الأطفال والمراهقين وأفلام العائلة، أي القصص الاجتماعية، ولا نقصد بها القتال على طريقة أفلام «الكاوبوي» و«الويسترن» القديمة، وأفلام الأبيض والأسود العربية، بل الجريمة تكون هي المحور الأساسي، وعملية البحث عن القاتل تستمر طوال مدة الفيلم على طريقة أجاثا كريستي.

من هذه النوعية فيلم «برايزن» الذي تعرضه «نتفليكس»، فهو يستند إلى رواية، والرواية تستمد روحها وأسلوبها من قصص أجاثا كريستي، ومحققها الشهير «مسيو بوارو»، لكن الفارق كبير بين حبكة أشهر مؤلفة روايات بوليسية في العالم، وبين «برايزن» رغم أنه مقبول ويمكن مشاهدته.

معظم الأفلام الحديثة تستند إلى عصر التكنولوجيا وتستخدم مفرداته في كل التفاصيل، وقصة «برايزن» أو «الوقاحة» (المأخوذ عن رواية نورا روبرتس «الفضيلة الوقحة»)، كتبته سينمائياً إديث سوينسن، ومعها دونالد مارتن، هي ابنة هذا العصر، وتستند إلى ما يحصل في خفايا عالم الإنترنت والتواصل الاجتماعي و«علب الليل»، لو جازت تسميتها، الإلكترونية، منها موقع «فانتاسي» الذي تديره امرأة وأمها وشقيقها، وتعمل لديها سيدات، أو بالأحرى «فتيات ليل» عبر «الشات» مع الزبائن.

قضايا اجتماعية

بطلة القصة الروائية المشهورة جرايس ميلر (أليسا ميلانو) تكتب قصصها عن جرائم ضحاياها نساء، تسعى من خلالها إلى تسليط الضوء على قضايا اجتماعية مهمة، مثل استغلال المرأة، وذكورية المجتمع، وكراهية النساء. لذا لا ترى أنها تكتب قصصاً للترفيه، بل للتوعية وإثارة قضايا وتساؤلات مهمة، وهي تتبع في سرد القصة ووقائع كل جريمة وكيفية ارتكابها بأسلوب تشويقي ومنطقي وواقعي، حدسها «البوليسي» الذي لا يخيب أبداً، كما تقول، وهو السبب في نجاح رواياتها وفي شهرتها.

هذه المقدمة تمهد لما سنشهده، حيث تتصل كاثلين (إميلي أولروب) بشقيقتها جرايس تدعوها للحضور لمساعدتها. تلبي الأخت النداء بأسرع مما توقعته كاثلين، وتفاجئها باستقلال أول طائرة والوصول إلى منزل والديهما الذي هجرته الأخت الكبرى، وما زالت تسكنه كاثلين منذ طلاقها.

الربع الأول من الفيلم يوحي لك بأنه ينحاز إلى المرأة، وسيعالج إحدى قضاياها الاجتماعية حول المعاناة بعد الطلاق وحقوقها وحضانة الأبناء والتي تعتبر واحدة حول العالم، حتى في أمريكا، خصوصاً أن «التأنيث» رفيق العمل بداية من ركائزه الأساسية، فمؤلفته نورا روبرتس، وكاتبة السيناريو إديث سوينسن، ومخرجته مونيكا ميتشل، وبطلته أليسا ميلانو، لكن سرعان ما ينحرف عن المسار الدرامي الاجتماعي ليدخل في غموض القصص البوليسية. ليلة واحدة تقضيها الأختان معاً، حيث تعبّر كاثلين عن مخاوفها من «جبروت» طليقها، خصوصاً أنها رفعت قضية لاسترداد حقها في حضانة طفلها كيفن بعدما أقلعت عن إدمان العقاقير، ونجحت في الاستقرار مهنياً، وأصبحت سعيدة بعملها في التدريس، وتحب طلابها ويحبونها. كاثلين تخشى الذهاب إلى المحكمة وحدها لذلك استدعت شقيقتها لتكون بجانبها.

وفي الصباح، تذهب كاثلين إلى المدرسة كالعادة، بينما تتعرف جرايس إلى جارهما إد جينيجنز (سام بيج)، الذي ينبهر بكونها الكاتبة التي يحب قراءة قصصها، وهي تبحث سريعاً عبر «جوجل» عن اسمه فتكتشف أنه محقق جنائي تم تكريمه، وشريكه بن (مالاشي وير) لحلهما لغز جريمة قتل معقدة. حتى في طريقة تعارف الجارين تدخل التكنولوجيا، وتظهر كم أصبح العالم صغيراً والمعلومات متوفرة في كل وقت لكشف هوية كل إنسان. وطبيعي أن يلتقي فضول كاتبة القصص البوليسية مع طبيعة عمل الجار الجذاب، فيخرجان للعشاء في أحد المطاعم القريبة ويتحدثان عن الجرائم وكيفية حل ألغازها، بينما كاثلين تنتهز فرصة غياب شقيقتها لتقوم بعملها السري كفتاة ليل تعمل تحت إدارة «فانتاسي» بشعر واسم مستعار «ديزيريه»، وتخفي نصف وجهها كي لا يتعرف إليها الزبائن. أحدهم يفك التشفير ويتمكن من معرفة هويتها الحقيقية، ويتسلل إلى منزلها ويقتلها خنقاً.

ضياع الفرصة

جريمة القتل ولغزها وكيفية حلها تصبح هي المحور الأساسي للفيلم، وتسقط كل قضايا النساء، وكل ما تم التلميح إليه في الجزء الأول من الفيلم، حتى اكتشافنا هوية المجرم، وسبب قتله لديزيريه، أو كاثلين، وغيرها ممن يعملن مثلها في ظلام الليل والتطبيقات المشبوهة، مثل «فانتاسي»، لا علاقة له بأي قضية نسائية، أو حتى إنسانية، وهو ما يؤخذ على الفيلم لأنه ضيع فرصة التعمق في أكثر من قضية وانشغل بجعل بطلته المؤلفة الروائية جرايس نسخة أنثوية من المحقق المشهور بوارو في قصص أجاثا كريستي، والمعروف عنه سرعة البديهة، وحدّة ذكائه وحدسه البوليسي الذي لا يخطئ أبداً. حين تعود كاثلين إلى المنزل تجد شقيقتها جثة فتستنجد بالجار إد، وطبيعي أن يتولى التحقيق، ومن «التركيبات الأنثوية» للفيلم أن يعمل إد وزميله بن تحت قيادة امرأة: النقيب ريفيرا (أليسون أرايا)، التي تنحاز إلى جرايس حين تطلب منها المشاركة في التحقيق لكونها تملك حدساً قوياً ولديها خبرة طويلة في ربط وحلّ ألغاز الجرائم، علماً بأن إد سبق أن رفض أي تدخل من قبلها في القضية وحاول إقصاءها أكثر من مرة رغم مشاعر الود التي نشأت بينهما.

وتشاء مؤلفة القصة ومخرجة الفيلم أن تتفوق البطلة جرايس على المحقق إد، رغم خبرته وحرفيته ومهارته، وتربط الخيوط بمنطق سبقها إليه المشاهد، إذ يبدو أن المخرجة أقل ذكاء من بطلة القصة، حيث فاتها ألا تركز على شابين من بين تلاميذ كاثلين، وتمنح أحدهما ملامح «النعجة البريئة» مع حرصه على تشتيت انتباه جرايس لتشكيكها في عامل بسيط في المدرسة. ومن شاهد أفلاماً كثيرة من هذه النوعية وقرأ روايات أجاثا كريستي، يدرك سريعاً أن المؤلفة والمخرجة تحاولان تشتيتنا، وأن هوية المجرم واضحة وشبه مؤكدة.

عمل متوسط

لا يمكن القول إن الفيلم سيئ، بل هو متوسط، وكان من الممكن أن يتفوق لو ركز على القضية وتعقيد الدلائل كي لا نسبق المحققين إلى معرفة هوية القاتل، فيخطف منا فرحة المفاجأة، أو الرهان على أكثر من شخص وانتظار النهاية كي نكتشف الحقيقة، بل لا يترك لنا فرصة «الاكتشاف» لكثرة انشغاله بجعل البطلة محققة وروائية خارقة، ومضحية بذاتها من أجل كشف القناع عن المجرم.

لا رعب في الفيلم، بل يميل نحو الرومانسية والتحقيقات البوليسية أكثر، وأداء أليسا ميلانو جيد لا سيما في مشهد انهيارها عند رؤية جثة شقيقتها، بينما لم نر صدمة حقيقية في ملامحها، ولا في انفعالاتها عندما اكتشفت، أو بالأحرى علمت من إد، بنتائج التحقيقات أن شقيقتها كانت تعمل مدرّسة في النهار وفتاة ليل في أحد المواقع ومباشرة من منزلها.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"