عشية حربٍ كبرى

00:53 صباحا
قراءة دقيقتين

يبدو أن الثقة في أن العالم لن يشهد صراعاً مدمراً بين القوى الكبرى، بدأت تتزعزع بعد انفجار الأزمة الأوكرانية ودخول موسكو وخصومها الغربيين بقيادة واشنطن في حرب سياسية واقتصادية شرسة ستكون عواقبها وخيمة على جميع الأطراف عاجلاً أو آجلاً، إن لم تسارع الأطراف جميعها إلى تطويق التوتر والنظر في خيارات السلام أكثر من التصعيد.
 توازن القوة والردع لن يصمد طويلاً في ضوء احتدام الدعايات المتنافرة والحملات الإعلامية القاسية والضربات الدبلوماسية التي يتلقاها هذا الطرف أو ذاك. وأكثر من أي وقت مضى، بدأ التعبير عن المخاوف من اندلاع حرب عالمية ثالثة يدور على مختلف الألسنة الشرقية والغربية، مع إدراك الجميع أن هذا السيناريو جنون بعينه، وسيكون نهاية أليمة للنظام العالمي الذي أصبح بحاجة إلى إعادة بناء حتى يستوعب المتغيرات الطارئة، خصوصاً في أوروبا التي لا تزال مسرح الصراع وعلى أرضها يتقرر مصير الأمن العالمي، ولذلك فإن ما تشهده القارة هذه الأيام غير مسبوق في خطورته، بل إن هناك بعض الأخطاء التي فجرت الحروب السابقة تكاد تتكرر، مع وجود اختلافات عميقة بين الماضي والحاضر، كما أن النتائج المفترضة لا يمكن الوثوق في تحقيقها لأن الضريبة الواجب تسديدها مهولة وثمنها فوق التصور.
محاولة عزل روسيا اقتصادياً والسعي إلى إثخانها بالعقوبات القاسية قد لا تحقق الآمال الغربية في وقف الحرب الأوكرانية، بل إن القسوة في الإجراءات ستجبر موسكو على رد فعل قد يكون «غير متناسب»، كما أكد مسؤولوها في مناسبات عدة. 
 وللتذكير فإن الحربين العالميتين الأولى والثانية بين ألمانيا والقوى الاستعمارية الكبرى.. بريطانيا وفرنسا بالأساس، كانت أسبابهما الجوهرية اقتصادية بحتة، فضلاً عن الأجندات الأمنية والسياسية المتضاربة، فعندما اشتد الخناق على برلين وتم حرمانها من مناطق النفوذ و(المستعمرات) في العالم وإغلاق الأسواق في وجه منتجاتها وبضائعها لتصريف فائض الإنتاج الصناعي والمالي، ومنعها من التزود بالمواد الأولية، كانت النهاية. وظن المنتصرون في الحرب العالمية الثانية أن تلك المآسي لن تتكرر، ولكن السياسات المتبعة في الوقت الراهن تشير إلى أن كل الاحتمالات واردة بما فيها الأسوأ على الإطلاق.
 الغيوم التي تتلبد في سماء أوروبا ترسم صورة كئيبة لما يمكن أن يؤول إليه الوضع، بل إن التحركات والتهديدات والعقوبات والتحذيرات تنبئ بأن شيئاً ما سيحدث، ربما في انتظار خطأ جسيم، أو سوء تقدير سواء من روسيا أو الغرب، وهذا الخطأ يمكن أن يكون في البر أو المحيطات وحتى في الفضاء الخارجي المزدحم بالأقمار الاصطناعية التي تلاحق بعضها ضمن حرب معلومات وتجسس شرسة جداً. ورغم التطمينات بأن الأمور تحت السيطرة، إلا أن التاريخ يؤكد أن لا شيء مستحيلاً والحرب ممكنة، وربما تكون حتمية إذا أصبحت سيادة طرف ما أو مصالحه مهددة. 
 ومن دون البحث عمن هو عاقل ومن أصبح مجنوناً، فإن أوروبا تبدو في عشية حرب كبرى. والدول النووية، سواء غربية أو شرقية، لن تقبل إحداها أن تكون معزولة، ولن تعرف الهزيمة، وليت هذا السيناريو المرعب يتوارى عن الوعي سريعاً، لأن البديل مهول ووقعه رهيب لا تتحمله المشاعر.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"