الغاز في ميزان السياسة الدولية

00:48 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد خليفة

أصبح الغاز الطبيعي ذا أهمية بالغة في عالم اليوم، وذلك بسبب التحولات الخطيرة التي طرأت على البيئة والمناخ من جراء تصاعد غازات الدفيئة التي تسبب ارتفاع درجات حرارة الأرض، حيث تم إجماع دولي على ضرورة المحافظة على المناخ وإبقاء درجات حرارة الأرض في معدل 1,5 درجة مئوية فقط، ولهذا بدأ التحول الدولي عن استخدام النفط والاتجاه نحو الغاز الطبيعي، تحديداً، لأنه لا يسبب تلويث البيئة، والغاز الطبيعي هو إحدى الدعائم الأساسية للطاقة العالمية. 

 ومنذ عام 2010، ارتفع الطلب على الغاز في دول العالم المتقدم بسرعة كبيرة بسبب سياسة دفع كبيرة لتحسين جودة الهواء. ووفّر التحول من الوقود الأحفوري إلى الغاز حوالي 500 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون- وهو تأثير يعادل وضع 200 مليون مركبة كهربائية إضافية تعمل على كهرباء خالية من الكربون على الطريق خلال نفس الفترة. وهناك إمكانية في قطاع الطاقة اليوم لتقليل ما يصل إلى 1.2 جيجا طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عن طريق التحول إلى الغاز. وسيؤدي القيام بذلك إلى خفض انبعاثات قطاع الطاقة العالمية بنسبة 10٪ وإجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالطاقة بنسبة 4٪. وعلى وقع الأزمة الكبيرة الحاصلة بين روسيا من جهة ودول الغرب من جهة أخرى حول أوكرانيا، فقد جاء منتدى الغاز في الدوحة في الشهر الماضي، ليكشف عن الأهمية المتصاعدة للغاز في تشكيل السياسة الدولية، وهذا المنتدى هو تجمع دولي يضم اثنتي عشرة دولة بصفة عضو، وخمس دول بصفة مراقب، واتجاه هذه الدول للعمل ضمن «كارتل» أو اتحاد، يهدف إلى تحديد أسعار مقبولة للغاز في أسواق العالم، مثلما تفعل منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» وخصوصاً أنها تملك أكثر من 70 في المئة من الاحتياطي العالمي من الغاز، وتعتبر المصدر لنحو 44 في المئة من إمدادات الغاز في السوق العالمية، وتمتلك 51 في المئة من صادرات الغاز الطبيعي المسال. 

 وهناك دول كثيرة في العالم تنتج الغاز، لكن قلّة منها هي التي لديها فائض كبير منه للتصدير، وأيضاً هناك دول منتجة ومصدرة في الوقت نفسه مثل كندا. ووفقاً للنشرة الإحصائية السنوية لمنظمة أوبك، فقد تصدرت روسيا قائمة الدول الأعلى بمخزون الغاز الطبيعي العام الماضي، ليصل حجم احتياطياتها إلى 48.9 تريليون متر مكعب. وجاءت هذه الدولة أيضاً في المقدمة في قائمة الدول الأعلى بصادرات الغاز الطبيعي ليصل حجم صادراتها إلى 199.9 مليار متر مكعب. والنسبة الغالبة من هذه الصادرات تتجه إلى أوروبا، وهناك دول تعتمد بشكل رئيسي على الواردات الروسية، حيث تستورد ألمانيا حوالي نصف احتياجاتها من الغاز من روسيا، وتستورد إيطاليا نحو 46%، من احتياجاتها، أما فرنسا، فإن ربع احتياجاتها تأتي من روسيا. وبالتالي، فإن الدول الرئيسية في أوروبا محتاجة بشدة إلى الغاز الروسي.

 وقد تسبب انفجار الخلاف بين روسيا والغرب حول أوكرانيا في حدوث مخاوف كبيرة لدى الأوروبيين من حصول أزمة خانقة في الغاز إذا ما قررت روسيا قطع إمدادها منه إلى أوروبا، وتبدو ألمانيا أكثر الدول المهددة بالشلل التام لأنها تشتري الغاز الروسي بأسعار مخفضة جداً وبعقود آجلة، وفي حال قررت البحث عن مصادر بديلة، فإنها ستشتري الغاز بالسعر الدولي المقرر حالياً، ما سيلحق ضربة مؤلمة باقتصادها. وتعد روسيا من الدول المؤسسة لمنتدى الدول المصدرة للغاز، وهي لن تسمح للمنتدى باتباع سياسة غاز تجاه أوروبا قد تضر بمصالحها، وبالتالي فإن مساعي أوروبا في البحث عن مصادر بديلة تغنيها عن الغاز الروسي، قد لا تنجح بسبب الموقف الروسي المعارض داخل المنظمة.

 ومن هنا تبدو أزمة الطاقة في أوروبا مقبلة على تطورات خطيرة ما لم يتم نزع فتيل التوتر مع روسيا، وهذا الأمر ليس بيد الدول الأوروبية بل هو بيد الولايات المتحدة التي تريد تأجيج الخلاف مع روسيا حتى النهاية في حرب صامتة تهدف إلى محاولة زعزعة استقرار روسيا وخلق واقع جيواستراتيجي جديد في المنطقة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"