الملف الأوكراني في الانتخابات الفرنسية

00:23 صباحا
قراءة 3 دقائق

الحسين الزاوي

تمثل الانتخابات الفرنسية التي ستجرى في 10 إبريل/ نيسان المقبل، فرصة لكل التشكيلات السياسية المتنافسة على منصب رئاسة الجمهورية من أجل الدفاع عن مواقفها وتصوراتها بشأن القضايا الداخلية والملفات الإقليمية والدولية ذات الصلة المباشرة بالمصالح الحيوية لفرنسا التي شهد تأثيرها انحساراً لافتاً خلال العقدين الأخيرين. وتعود الأهمية الخاصة لهذه الانتخابات إلى طبيعة نظام الحكم في فرنسا الذي يعتبر رئاسياً وفق دستور الجمهورية الخامسة، ولا يعطي إلا صلاحيات محدودة للمجالس المنتخبة، وفي مقدمتها البرلمان بغرفتيه.

ويؤكد المتابعون للشأن السياسي الفرنسي أن السياسية الدولية، وتحديداً الأوروبية، ستلعب دوراً لا يمكن إغفاله في حسم الصراع على الرئاسة بين إيمانويل ماكرون وأبرز خصومه من تيارَي أقصى اليمين واليسار؛ وبالتالي فإنه وعلاوة على الأهمية التي تشكلها القارة الإفريقية في البرنامج السياسي للمرشحين، فإن الأزمة الأوكرانية أثرت بشكل ملحوظ في ميزان القوة بين ماكرون ومنافسيه.

 واستطاع الإعلام الفرنسي، الذي تقول قوى المعارضة إنه يساند في أغلبيته الساحقة، الرئيس ماكرون ويدافع بشراسة عن المصالح الأمريكية والأطلسية في فرنسا، أن يوظف تطورات الأحداث في أوكرانيا بهدف التأثير في الرأي العام الفرنسي ولمهاجمة أبرز خصوم ماكرون. وقد حرص هذا الإعلام على إبراز الصلات المفترضة التي تربط مرشحي المعارضة بروسيا ورئيسها، فلاديمير بوتين؛ وتحدّث الإعلام في هذا السياق عمّا أسماه بالتحوّل الكلي والمفاجئ في مواقف أبرز المرشحين، وسعى إلى توظيف تصريحات سابقة للعديد منهم بشأن السياسة الأمريكية وحلف الناتو، حيث سبق لهم الدعوة إلى خروج فرنسا من هذا الحلف، وإلى التقارب مع روسيا، والقول، من ثم، إن المواقف الغربية المعادية لموسكو لا تستند إلى مبرّرات موضوعية.

  كما حرص الإعلام على التذكير بمواقف سابقة للمرشح جون لوك ميلونشون، برّر في إحداها التدخل الروسي في سوريا سنة 2015، وأبدى في أخرى تفهمه، مع بداية هذه السنة، لقيام روسيا بحشد قواتها على الحدود الوأكرانية، واصفاً ذلك بالأمر الطبيعي الذي يدخل في خانة الدفاع عن النفس، قبل أن يتراجع عن موقفه ويندّد بالغزو الروسي لأوكرانيا.

ولجأت وسائل الإعلام من أجل شيطنة خصوم ماكرون إلى الأرشيف الروسي بهدف إعادة استثمار تصريح سابق لمارين لوبان عبّرت خلاله لصحيفة روسية، عن إعجابها بالرئيس بوتين؛ وعملت هذه الوسائل أيضاً على الترويج لمواقف كانت أبدت خلالها لوبان رفضها سياسة حلف الناتو والولايات المتحدة في أوروبا، وطالبت بالتزام فرنسا الحياد في الصراع الدائر بين واشنطن وموسكو. وقد تم الاستناد إلى الاستراتيجية الإعلامية نفسها من أجل إضعاف المرشح إريك زمور الذي يحظى بتعاطف كبير في الأوساط الشعبية، لاسيما وأن زمور سبق له أن دعا إلى تحالف فرنسا مع روسيا، وقال في سنة 2018 إنه يحلم ببوتين فرنسي، قبل أن تجبره تطورات الأزمة الأوكرانية على إدانة الغزو الروسي.

وكانت استراتيجية دفاع هؤلاء المرشحين عن أنفسهم بشأن مآخذ الإعلام على مواقفهم السابقة بشأن روسيا و«الناتو»، قائمة على محاولة إعادة الكرة إلى ملعب الخصم، من خلال التذكير بتصريحات سابقة للرئيس ماكرون، قال فيها إن «الناتو» بات متجاوزاً، وأنه يخدم مصالح أمريكا في المقام الأول، ويعرقل إمكانية تشكيل منظومة دفاعية أوروبية مستقلة عن هيمنة واشنطن، كما ذكّروا أيضاً بالمواقف التقليدية للحكومات الفرنسية المتعاقبة بخصوص رفض باريس لسياسة تمدّد «الناتو» نحو الحدود الروسية في جورجيا وأوكرانيا.

وعليهن فإنه وبصرف النظر عن نتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي تبدو محسومة لمصلحة ماكرون، فإن قسماً مهماً من الرأي العام الفرنسي يرى أنه ليس هناك ما يبرّر إخراج التصريحات السابقة لرموز المعارضة، بشأن ملفات ليست لها صلة مباشرة بالمشاكل الداخلية، عن سياقها لخدمة أجندات انتخابية ظرفية، من منطلق أن مثل هذه الممارسات تعتبر منافية للأخلاق السياسية، ولا تخدم الاستقرار المجتمعي، وتسيء إلى القيم الديمقراطية التي ما فتئت تدافع عنها فرنسا في مواقفها الرسمية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"