انعطافات أوروبية.. متى انعطافاتنا؟

00:16 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. علي محمد فخرو

مأساة واحدة في أوكرانيا تقود خلال شهر واحد إلى انعطافات سياسية وأمنية واقتصادية كبرى، بصورة مباشرة في المشهد الأوروبي، وبصورة غير مباشرة في العالم كله.
 فحلف الناتو، الذي وصف حالته الرئيس الفرنسي منذ أشهر قليلة بأنها قريبة إلى حالة الموت السريري البطيء، بدأ نشاطاً محموماً لمراجعة استراتيجياته العسكرية والسياسية، ويخطط للتوسع، ولأخذ خطوات كانت في الماضي القريب ضمن الخطوط الحمراء غير المسموح بتخطّيها.
والاتحاد الأوروبي الذي امتحنت قواه وتماسكه أحداث من مثل الخروج البريطاني المفاجئ من الاتحاد، ومواجهة بعض أعضائه أزمات مالية بالغة الخطورة تحتاج إلى إنقاذ مالي مكلف، والانتشار الشديد لوباء فيروس كورونا في بعض دوله، عاد وتماسك من جديد، واتخذ قرارات استراتيجية بشأن مستقبله، من حيث استقلاله ولعب أدوار أكبر في المسرح الدولي، ومراجعة علاقاته بالدول الكبرى على الأخص.
 ومنذ بضعة أيام، أحدثت ألمانيا زلزالاً سياسياً وعسكرياً عندما قررت أن تعود لبناء جيش ألماني قوي، ولدخول مسرح الصناعة الحربية من أبوابه الواسعة، ومن دون أية تحفظات كانت راعتها عبر السبعين سنة الماضية.
 وهناك دلائل إرهاصات قادمة في المزاج الشعبي الأوروبي التي قد تأتي بما لم يكن في الحسبان، وتغير المشاهد السياسية في العديد من دول الاتحاد الأوروبي المحورية.
 هكذا هو حال الحكومات المسؤولة التي تخضع لمحاسبة قوى مجتمعاتها، وإمكانات إصدار أحكام قاسية عليها في ساحات كل أنواع الانتخابات.
 لكن المنظر في كل أرض العرب يختلف عن ذلك المشهد الأوروبي كل الاختلاف. فبالرغم من عشرات المآسي والفواجع التي واجهتها العديد من الأقطار العربية، ومن بينها أقطار محورية فاعلة في الحياة العربية، إلا أننا لم نسمع بحدوث أي انعطاف، أو قرب مجيء أي انعطاف، سواء في الحياة السياسية التضامنية العربية، أو في مواجهة الانتعاش المذهل لعدد ونوع أعداء هذه الأمة، أو في إيقاف النزيف الهائل لثروات وأمن وسلام المجتمعات العربية.
 وكان هناك بصيص أمل في أن تكون اجتماعات مؤتمر القمة العربي القادم في الجزائر مدخلاً لمبادرات عربية مشتركة، سواء في السياسة التضامنية، أو الأمن العربي المشترك، أو التنسيق الاقتصادي، أو اتخاذ موقف استراتيجي موحد من تغيرات العالم الهائلة، لكن كل الدلائل تشير إلى عدم وجود مبادرات من أي نوع كان، وإلى انشغال كل قطر بمواجهة الأهوال وحده، وبمعزل عن أشقائه. حتى رجوع سوريا العربية الشقيقة، أحد الأقطار المفصلية في الحياة العربية عبر القرون، أصبح مشكوكاً في حدوثه، إذ لا تزال بعض الحكومات تنتظر صدور التوجيهات من الخارج.
 وما يجعل المشهد العربي أكثر بؤساً وتشاؤماً ويأساً، هو أن الانعطاف الكبير الذي فجّرته قوى الشباب والجماهير العربية المليونية منذ سنوات عدة، والذي أفشلته قوى الخارج وأخطاء الداخل الكثيرة، هو الآخر يعاني الأمرّين، حتى في الأقطار العربية التي كانت واعدة.
 وإذا لم تقم بعض أنظمة الحكم، أو بعض قوى المجتمعات المدنية العربية، بمبادرات جديدة في الحال، ومن دون تأخير، فإننا سنشهد دخول هذه الأمة في غيبوبة تاريخية عمل الاستعمار الغربي وأمريكا وإسرائيل عبر عشرات السنين من أجل دخول هذه الأمة فيها، من دون نجاح يذكر. وها أننا، نحن العرب، نقف على أبوابها ونمسك بأيدي بعضنا بعضاً لدخولها، بفضل بلاداتنا وانقساماتنا العبثية وجنون بعضنا.
 يا شاعر العرب العظيم، أينك من رؤية تحقق ما تنبأتَ به منذ قرون: «يا أمة ضحكت من جهلها الأمم»؟
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"