عادي
علماء الاجتماع يجيبون

هل انتهت حركة ما بعد الحداثة؟

16:52 مساء
قراءة 3 دقائق
3

-هناك تيار يعيد النظر في المسلمات الفكرية
===========================
يؤكد كتاب د. مروة صلاح الدين وعنوانه «علم اجتماع ما بعد الحداثة رؤى نظرية ومقاربات منهجية» أنه خلال العقدين الأخيرين ظهرت حركة تجديد لخطاب معرفي، يحتوي على أنماط ثقافية متعددة، ويجمع بين روافد فنية ومعرفية وعلمية، من خلال نظرية منهجية، تعكس رؤى واضحة، حول الماضي والحاضر والمستقبل.
يشير هذا الخطاب إلى وقائع حياتية مستحدثة وأوضاع سريعة التغيير، شديدة الحساسية تجاه أوضاع، سادت في زمن يوصف بالرقي والتقدم، ويتعايش معها الإنسان، وتتباهى بها الأمم، التي وصلت إلى ما يطلق عليه مرحلة التقدم التكنولوجي والرفاهية والإنسانية، ولا يزال تأثير رواسبها الثقافية في مختلف أوجه الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية عظيماً.
تقول د. مروة صلاح الدين إن علماء الاجتماع في حاجة إلى إعادة قراءة تاريخ العلم، وفهم مراحل التطور، لأن إغفال ذلك يؤدي إلى ضياع خبرات وتراث ذاخر بمضامين ومعانٍ ثقافية واجتماعية، يجب البحث حولها، لرصد الواقع المتغير والمساهمة في تجديد الفكر، والتواصل مع أحداث الحياة، ليتمكن المفكرون من تغيير مقولات كادت أن تصبح راسخة في الذهن البشري، ويهيمن عليه تزييف وعي الباحث، فينعزل عن مجريات التطور.
**مقولات
وخلال المناقشات بادر بعض المفكرين بطرح مقولات مثل موت التاريخ، أو بلغة البعض «نهاية التاريخ» ونهاية مرحلة الحداثة، مؤكدين أن العالم تغير كلياً، وبدأت مرحلة جديدة تسمى مرحلة ما بعد الحداثة، أو مجتمع ما بعد الصناعة، وهنا طرحت تساؤلات: هل هذه هي الحداثة النموذجية المطلوبة للإنسان؟ هل كانت الحداثة الغربية في مصلحة الإنسان؟ هل من الممكن الاستغناء عن النموذج الحداثي الأمثل الذي عانى من أجله البشر في القرنين الثامن والتاسع عشر؟ هل انتهى ذلك العصر؟ بعبارة أخرى: هل أدت مرحلة الحداثة الغرض منها ووصلت إلى نهاية الطريق؟.
هكذا طرح بعض المفكرين مقولة نهاية مشروع الحداثة في الزمان والمكان، ذلك المشروع الذي قدم له مفكرون وعلماء مستندين إلى آراء كانط وهيجل وماركس، مقابل الاحتفاء بمولد فلسفة جديدة هي فلسفة ما بعد الحداثة، ترتبط بأسماء نيتشه وهايدجر ثم دريدا وليوتار وبرجسون وغيرهم.
وساد في أدبيات علم الاجتماع بعض الأفكار المؤيدة لهذا النهج (القطيعة مع التاريخ) وأخرى معارضة له (التواصل مع التاريخ) وامتد تأثير ذلك إلى الخطاب الاجتماعي والثقافي، وكان من الطبيعي لعلماء الاجتماع إعادة النظر في العلاقة بين ما يحدث في العالم من فكر جديد ومتغيرات كبرى، غيرت من الثوابت المسيطرة على الفكر، وبات من الواضح الاهتمام بالمعرفة، أصولها وتطورها في مواجهة الواقع ومتغيراته، فكان علم اجتماع المعرفة الذي يبحث في العلاقة بين الواقع بأزماته، وبين الفكر بتراكماته المعرفية، وطرح في هذا الشأن طبيعة العلاقة بين النظرية العامة والنظرية النسبية (قضية التعميم) وشكل العلاقة بين الذاتي والموضوعي في البحث الاجتماعي، وبين التاريخ وعلم الاجتماع.
**جدل
تشير الكاتبة إلى أن الجدل الدائر حول توصيف مرحلتي الحداثة وما بعد الحداثة، في المجالات العلمية والأدبية، أحدث انقلاباً فكرياً واضحاً، حيث أبدى أصحاب الفكر النقدي اهتماماً فائقاً بمقولات التأمل والخيال السوسيولوجي والوعي التاريخي، كما ركزت الاتجاهات النقدية على العنصر الثقافي، ودوره المحوري في الحياة الاجتماعية، وأعيد النظر في المسلمات الراديكالية، وظهرت مسلمات جديدة تعالج قضايا الفكر النظري والأطر المنهجية في علم الاجتماع.
من هذا المنطلق يجتهد الباحثون في دراسة القضايا المثارة حول تقييم مرحلة الحداثة، وما طرأ عليها من تطورات، لتوصيف متغيرات العصر، مؤكدين على ضرورة إعادة النظر في حركة ما بعد الحداثة، لا من حيث المفهوم وعلاقته بالحياة الاجتماعية فحسب، بل من حيث أولاً: الرؤى النظرية وما طرأ عليها من تغييرات حول المسلمات، التي سادت في المرحلة الحداثية، وموقفها من الأحداث، التي يشهدها العالم، وثانياً: تأثير تلك النظريات في طرق البحث ومصادر المعلومات ونوعيتها ومدى الصدق والثبات، وموقفها من شروط العلم، وهو ما يعرف بـ «الصرامة العلمية» التي تأكدت لدى الباحث الأكاديمي في عصر الحداثة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"