عادي

«مشاهير التواصل».. صناعة على حساب المجتمع والناس

00:43 صباحا
قراءة 5 دقائق

تحقيق: محمد الماحي
لعبت المؤسسات، في كل مراحل تطور الإعلام، دوراً مهماً في المحافظة على الضوابط المهنية في تقديم ما يظهر على وسائل الإعلام، إلا أنه مع ظهور «مشاهير السوشيال ميديا» على كل وسائل التواصل الاجتماعي، بدأت ضوابط تلك المؤسسات تتلاشى، لأن الأولوية لهذه المؤسسات هو في العدد الكبير من المتابعين لهؤلاء المشاهير رغبة في الوصول لأكبر رقعة انتشار؛ بل إن بعضها تتعاقد مع المشاهير، وتتجاوز القوانين وتعميم المجلس الوطني للإعلام على المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص في الدولة، بالاستعانة فقط بمؤثرين اجتماعيين مرخصين، للترويج الإعلاني لفعالياتهم ومنتجاتهم، وفق الضوابط الموضوعة لتنظيم هذا النشاط،

وهذا التوجه الذي بدأ ينتشر بسرعة كبيرة وبشكل واسع، كسر كثيراً من القيم الثابتة للمؤسسات الرسمية؛ مثل الرصانة، والعناية بلغة الخطاب مع الجمهور، واختيار الوسيلة المناسبة. وهي قيم ومعايير كانت المؤسسات الرسمية والأجهزة الحكومية توليها اهتماماً خاصاً وكبيراً، ولا تخرج رسالة إعلامية لها إلا بعد إعداد متقن ومراجعة وتدقيق، ولكن اليوم أصبح المشاهير هم من يتحكمون في الرسالة واللغة التي يتم بها مخاطبة الجمهور، وفي أحيان كثيرة لا يكون هذا المشهور على قدر عالٍ من الكفاءة في إعداد الرسالة المناسبة واختيار اللغة التي يخاطب بها الجمهور؛ حيث يكون قد اكتسب شعبيته من خلفية معينة كأن يكون ممثلاً أو مغنياً، أو صاحب فكاهة، ومع الأيام وازدياد جماهيريته، أصبح مُعلِناً، ثم بات مسوقاً تجارياً، ثم مسوق أعمال.

هذه الإشكالية تضعنا أمام أسئلة مهمة، حول دور المؤسسة الرسمية في تقديم معيار أخلاقي للمشاهير، وأهمية الاختيار الدقيق لذلك المشهور، فليس كل مشهور يصلح للتسويق.. ولا تقتصر فوضى إعلانات مشاهير التواصل الاجتماعي، على غياب الضوابط الأخلاقية؛ بل تتعدى ذلك في غياب الضوابط القانونية في طريقة الإعلان، على الرغم من إصدار المشرع الإماراتي قانون تنظيم الإعلام الإلكتروني، لينظم إعلانات المشاهير ويلزم القانون «المؤثر» من النجوم بالحصول على رخصة حكومية تجارية أولاً ثم دعائية في حال تقديم محتوى إعلاني، وحدد القانون قيمة الرخصة ب 15 ألف درهم مع عقوبة 5 آلاف درهم للمخالفين، كما ألزم القانون النجوم بكتابة كلمة إعلان على المحتوى الترويجي.

وأصبحت الإمارات أول بلد عربي يفرض على ما يعرف بال «مؤثرين» امتلاك ترخيص يصل ثمنه إلى 4000 دولار أمريكي في السنة، وسيدفع المخالفون لهذا التشريع غرامة قدرها 1300 دولار.

ويرى عدد من القانونيين أنه رغم إصدار القانون ولكن بقي تعريف «المؤثر» على صفحات التواصل الاجتماعي غير معروف بدقة، فليس هناك أي تحديد لعدد المتابعين للصفحة كي يصبح الشخص مؤثراً.

حسن الاختيار

وأكد عدد من الخبراء أن اختيار المشاهير لإبراز الفعالية الحكومية الرسمية يجب أن يخضع لشروط حسن الاختيار بين عشرات ومئات المشاهير حتى لا يكون على حساب الرصانة، والعناية بلغة الخطاب مع الجمهور، لافتين إلى أن بعض القائمين على مسؤولية الإعلام في بعض الجهات الحكومية لا يلقون بالاً لتلك المعايير؛ حيث أصبحنا نرى رسائل إعلامية تصدر عن جهات حكومية بلغة عامية ركيكة. وأشاروا إلى أن أوجاع الوسط الإعلامي تفاقمت في الفترة الأخيرة، بسبب فوضى إعلانات المشاهير والنشر غير المنضبط.

الترخيص

ويقول الخبير الإلكتروني علي عامودي: حرصت الدولة على مواكبة العصر، لضمان وتنظيم إعلانات المشاهير بما يعود بالفائدة على المستهلكين وأصحاب الأعمال، وفي هذا الصدد أصدر المجلس الوطني للإعلام في مارس/ آذار 2018 نظام الإعلام الإلكتروني، الذي ينظم الأنشطة الإعلامية في وسائل الإعلام الإلكترونية بما فيها الأنشطة التي تتم ممارستها عبر وسائل التواصل الاجتماعي من داخل الدولة وعلى أسس تجارية، وأعلن المجلس الوطني للإعلام عن قرار إلزام المؤثرين والمشاهير في مواقع التواصل الاجتماعي داخل الدولة بالحصول على ترخيص حال تقديمهم إعلانات وتقاضي مقابل مادي؛ وذلك حرصاً على توفير محتوى إعلامي متوازن.

وحول الأهلية التي تمنحها المؤسسات الرسمية، للمشاهير عن طريق التعاقد معهم للترويج للفعاليات يرى عامودي أن الرغبة الجامحة لدى بعض المسؤولين في الحصول على رقعة انتشار واسعة للفعاليات التي يقيمونها يجب ألا تكون على حساب السمعة، والرصانة. والحاذق من استطاع الجمع بين سعة الانتشار والاحتفاظ بالشخصية الرصينة.

حسن الاختيار

ويتفق الخبير الاجتماعي علي سيف الجنيد مع الخبير علي عامودي، ويؤكد أن اختيار المشاهير لإبراز الفعالية الحكومية الرسمية أمر محمود وليس مرفوضاً إذا كانت الحاجة تستدعي ذلك ولكن بشرط حسن الاختيار بين عشرات ومئات المشاهير. فهناك مشاهير يتمتعون بالرصانة، ومجال اهتمامهم بعيد عن الإسفاف والتهريج، كما أن بعض المشاهير عُرِف عنهم الاتجاه نحو مجال معين كالغناء والرقص والحفلات، وافتتاح المعارض التجارية، والتسويق للملابس والكماليات أو أن أحد مشاهير (الاستانداب كوميدي) فهذا لا يمكن الاستعانة به للحديث عن مؤتمر أو ندوة، أو فعالية علمية؛ لأن هذا المشهور لا يتسق مع الفعالية لا اسماً ولا جمهوراً؛ حيث سيشهر المؤتمر في أوساط غير مناسبة وبين جمهور غير الجمهور المستهدف. وسيكون المسؤول الحكومي الذي استعان بذلك المشهور كمن يؤذن في «مالطا».

وأضاف: إن بعض القائمين على مسؤولية الإعلام في بعض الجهات الحكومية لا يلقون بالاً لتلك المعايير؛ حيث أصبحنا نرى رسائل إعلامية تصدر عن جهات حكومية بلغة عامية ركيكة، سواء كانت مكتوبة، أو منطوقة، بحجة مواكبة العصر ومخاطبة الجيل الحالي باللغة التي يفهمها وهذا خطأ جسيم؛ فالأجهزة الحكومية لها وقارها وسمتها وشخصيتها الاعتبارية التي لا يجب المساس بها أو التنازل عنها، أو الحط من قيمتها بحجة مواكبة العصر. فالرسائل الإعلامية يجب أن تكتب بلغة راقية، وتُختار لها أحسن العبارات، وأجمل الصيغ؛ لتعكس صورة الجهة التي تصدر عنها، ثم لتسهم في ارتقاء لغة الخطاب، وهذا لا يتعارض مع مواكبة العصر.

التحديات الراهنة

أما الأكاديمي الدكتور عبد الله محمد العوضي، يرى أنه على الرغم من الجهود التنظيمية للمجلس الوطني للإعلام، من أجل ضبط الأداء في ظل التحديات الراهنة، فإن أوجاع الوسط الإعلامي تفاقمت في الفترة الأخيرة بسبب فوضى إعلانات المشاهير في وسائل التواصل الاجتماعي والنشر غير المنضبط لبعض المواقع طمعاً في الانتشار السريع، من دون النظر إلى ما قد ينتج عن ذلك من أضرار اجتماعية واقتصادية وثقافية بالنسبة للمجتمع، وازداد الأمر صعوبة بعد أن أصبح بإمكان أي شخص يمتلك هاتفاً ذكياً وحساباً في منصات التواصل الاجتماعي له عدد كبير من المتابعين انتحال مسمى ( إعلامي) لمجرد أنه تعاقد مع بعض الجهات للترويج لفعاليات أو نقل خبر سريع، أو علّق على حادثة ما، والغريب في الأمر أن هؤلاء قد يجدون طابوراً طويلاً من المعجبين والمتابعين الذين يستهويهم ذلك السيل المتدفق من الصور والأخبار التي لا تلتزم في الأغلب بأي ضوابط مهنية، ولا أخلاقية.

وتابع: المناداة بالضوابط ليست «تعسفاً» أو تضييقاً، فالتنظيم لا يتصادم مع حماية استقلالية سوق الدعاية والإعلان الرقمي، ومراعاة خصائص النشر الرقمي التي تتطلب المرونة، إلا أن غياب الضوابط يضر بالنشاط ويقوده إلى الانهيار تنظيمياً وبالتالي انهيار القطاع ككل.

ويشدد الدكتور هشام محمد عباس، عميد كلية الإعلام بالجامعة القاسمية «تعامل البعض مع مشاهير التواصل كإعلام بديل خطأ كارثي، فامتلاك أولئك أدوات التسويق لا يعني بالضرورة امتلاكهم أدوات الإعلام»، لاختلاف المهنتين وإن استخدموا نفس الأدوات.

ويتحفظ عباس على تعامل المؤسسات الرسمية معهم كمسوقين للخدمات العامة «أفهم أن تتعاقد شركة مع أحدهم لتسويق منتج، لكن ليس من المنطقي أن تفعل ذلك جهة حكومية لتسويق خدمات عامة، فليس مفهوماً أن يصبح تقييم الخدمات الحكومية العامة مرتبطاً بمدى التسويق الإيجابي الذي حظيت به الخدمة لا بجودتها».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"