أحزان المملكة المتحدة

00:29 صباحا
قراءة دقيقتين

فيصل عابدون

قدم البريطانيون لوحة تاريخية لا مثيل لها في التعبير عن الحزن الجماعي على ملكتهم الراحلة إليزابيث الثانية. وفي تكريم ذكراها ومسيرتها التاريخية وخدماتها للمملكة المتحدة وشعبها. وشهدنا في الوقت نفسه تضامناً عالمياً واسعاً شمل الشعوب والمجتمعات والأفراد مع أحزان الشعب البريطاني.

إن مشاهد التعبير الهائل والجماعي عن مشاعر الحزن والتضامن التي نقلتها الصحف والمجلات ووكالات الأنباء وقنوات التلفزة العالمية والمحلية، إنما تعكس طبيعة هذا الشعب الذي عاش عقوداً طويلة من الاستقرار والأمن والتطور والازدهار والرفاهية. ومثلت المؤسسة الملكية دور الضامن والحارس الأمين لهذا الاستقرار في أجهزة السلطة التنفيذية والطبقات الاجتماعية.

لقد كانت الملكة إليزابيث تلعب دوراً في غاية الأهمية في تعميق الاستقرار المؤسسي عبر لقاءاتها الأسبوعية مع رؤساء الحكومات المتعاقبة. وعاصرت إليزابيث 15 منهم خلال حياتها. وقالت في فيلم وثائقي عام 1992 «إنهم يبوحون بما يثقل كاهلهم أو يخبرونني بما يجري من أحداث أو ما إذا كانت لديهم أي مشاكل وفي بعض الأحيان يمكن للمرء أن يساعد بهذه الطريقة أيضاً».

وأضافت «يعلمون أنه يمكن للمرء أن يكون محايداً، إذا جاز التعبير. أعتقد أنه من الجيد نوعاً ما أن يشعر المرء بأنه نوع من الإسفنج الذي يمتص الصدمات». لقد كان هؤلاء الرجال سياسيين مخضرمين عركتهم الأحداث والتجارب والصراعات.

كانوا يمسكون مستقبل البلاد بين أيديهم، كما كان تأثيرهم طاغياً على مصائر دول وشعوب أخرى. لكنهم كانوا يجتمعون عندها للحديث عن خططهم ومشكلاتهم وطموحاتهم وسط أجواء ودية ومن دون خوف من أن يتم نشر حديثهم على الملأ.

كانت الملكة كتومة وبالطبع، كانت حيادية في قضايا السياسة العامة بحكم القانون.

وفي خلال هذه الجلسات لم تكن تملي عليهم قرارات لكنها كانت تمنحهم لحظات من الصفاء والاستبصار وربما بعض النصائح ما يساعدهم في اتخاذ القرارات الصحيحة. ويقول توني بلير عن فوائد لقاءات الملكة إنها تقيّم المواقف والصعوبات وتستطيع توصيفها دون أن تقدم مطلقاً ما يدل على تفضيل سياسي أو أي شيء من هذا القبيل. إنه لأمر رائع أن نرى ذلك.

ولا شك أن هذا التقليد الذي يشبه جلسات التأمل بالنسبة لقادة العمل السياسي، هو تقليد بريطاني صميم. ويحتاج السياسيون في كثير من الأحيان للخروج من أجواء الخصومات المحتدمة والصراعات الضارية والجلوس إلى شخص محبوب وموثوق به ويمتلك الحكمة والرصانة والهدوء.

لقد عبّر البريطانيون عن مشاعرهم الجياشة بطريقة علنية شهد عليها العالم كله في مناسبة أخرى سابقة لوفاة الملكة إليزابيث. فقد شاهد العالم جبال الورود على أسوار قصر باكنغهام والآلاف يذرفون الدموع ويتبادلون التعازي في أعقاب وفاة الأميرة ديانا في ذلك الحادث المشؤوم.

كانت الملكة إليزابيث الثانية قطعة مهمة من فسيسفاء تاريخ العالم وأحداثه. وكانت الأميرة ديانا تحفة من الفن الراقي تعكس روعة العصر. وماتت الأميرة في حادث صاخب وهي في كامل جمالها وأناقتها وتوفيت الملكة بهدوء وتركت وراءها صورة الوقار والحكمة والحب.

[email protected]

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yufcpcsh

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"