عادي
مبادرات على مدار العام

الثقافة في الإمارات إلى العالمية

20:51 مساء
قراءة 7 دقائق

الشارقة: يوسف أبولوز

تحوّلت الإمارات إلى مركز ثقافي، عربي وعالمي، بالتدريج، وبالتراكم، وبالانتقال الموضوعي من مرحلة إلى مرحلة، من السبعينات حيث التأسيس الأوّلي للدوائر والإدارات الثقافية إلى الثمانينات حيث تبلور هذه الإدارات والدوائر بإطارات أكثر مهنية، إلى التسعينات حيث ظهرت أيضاً أطر ثقافية إماراتية جديدة تواكب التطورات التي شهدتها الدولة على مستوى الفنون والكتابة والإعلام آنذاك، أي خلال العقود الثلاثة من السبعينات وحتى التسعينات، لتشهد الإمارات في العقدين الأخيرين نمواً ثقافياً متسارعاً يواكب موضوعياً وعملياً النمو الاقتصادي والتعليمي والخدماتي والمعماري في الدولة وصولاً إلى المشهد الثقافي الراهن أو الحالي الذي يتسم بالتنوّع، والثقافة المحلية، والعالمية، وظهور صناعات إبداعية محمية بقوانين الدولة ونظمها الإدارية والمؤسساتية.

هذه باختصار شديد صورة النقلات المركزية في حركة الثقافة الإماراتية، لكن هذه الصورة الموجزة جداً، والمكثفة جداً وراءها تفاصيل وحيثيات ومشاريع ومبادرات عديدة أفضت بالضرورة إلى الصورة الثقافية العالمية للإمارات، وهي الصورة العامّة التي يتكئ أو يعتمد عليها أي مراقب ثقافي عربي أو أجنبي حين يقول إن الإمارات تحوّلت إلى مركز ووجهة دولية يختارها باطمئنان كل من يريد الاستثمار في الفنون والثقافة واقتصاد المعرفة، وبالطبع، فإن كل بيئة مثالية أو نموذجية للاستثمار في الثقافة أو لإنتاج الثقافة لا بدّ أن تقترن بالأمن والأمان والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وهي عناصر موجودة وقائمة في الإمارات بلد القانون والمؤسسات والتشريعات التي تكفل العيش بسلام ورخاء وإنتاجية مادية وروح معنوية متفائلة سائدة وقائمة بين أكثر من مئتي جنسية في الدولة من جهات العالم الأربع. تلك نقطة مهمّة جداً وهي ما يتصل بالبيئة النفسية الإيجابية الحاضنة للثقافة والفنون والآداب في الإمارات التي أشرنا إليها وقرنّاها بالاستقرار والعدل والقانون التي معاً توفر مناخاً مُوَلِّداً لثقافة وظواهر ثقافية إبداعية وإنسانية.

1

أولويات

النقطة المهمّة الثانية والجديرة بالإشارة هنا هي أن الثقافة أولوية في الإمارات، هذه الأولوية تحوّلت بالتدريج إلى قطاع مدعوم مادياً ومعنوياً من حكّام الإمارات، أي أن الثقافة ليست أمراً هامشياً بلا جدوى بالنسبة للقيادة الكريمة في الإمارات، بل الثقافة هي عنوان وهي خريطة طريق إلى العالم، ويُنظر للثقافة في الإمارات على أنها فعلاً قوّة ناعمة أو ديبلوماسية هادئة تنسجم تماماً مع التوجه الإنساني والجمالي للدولة، ولذلك حين يقال إن أي ثقافة لكي تصبح مشروعاً وقطاعاً وقوّة ناعمة لا بدّ لها من قرار سياسي وسيادي وقيادي يدعمها ويرعاها ويتبنّاها، فهذا الكلام صحيح مئة في المئة،.. ومئة في المئة يجري تطبيقه هنا في الدولة التي يخصص حكّام الإمارات فيها ميزانيات كريمة لقطاع الثقافة، ولكن هناك سبب آخر علينا أن ننتبه إليه ونحن نقرن فعل الثقافة بدعم القيادة والحكام في الدولة، وهو أن حكام الإمارات أنفسهم هم شعراء، وهم مثقفون، وهم قرّاء من طراز رفيع، ويدعمون مبادرات القراءة ويشجّعون التعليم، ويحملون درجات جامعية عالية، ويتذوّقون الأدب والفنون، وهذه معاً ميزة ونعمة للثقافة والمثقفين في الإمارات، فالحكّام مثقفون وآباؤهم وأجدادهم فرسان، والفروسية تقترن دائماً بقول الشعر. إن كان نبطياً أو فصيحاً، وهكذا فالانتصار للثقافة هو سلوك نبيل وجوهري متأصّل في قلوب وعقول أهل الحكمة والعدل والحكم في الإمارات.

مرجعيات

الثقافة في الإمارات إلى جانب كل ذلك تستند إلى مرجعيات تاريخية بل تستند إلى حالات أدبية وإبداعية قديمة ترقى إلى مستوى الظواهر الثقافية المبكرة في البلاد مثل جماعة الحيرة في الشارقة، وهي جماعة شعرية أدبية مثقفة متنوّرة قامت على عدد من شعراء المنطقة، وهم معروفون في الذاكرة الثقافية المحلية، ويشكلون دائماً ضميراً حاضراً في وعي المثقفين الإماراتيين، لا بل إن شاعراً أقدم من جماعة الحيرة هو الماجدي بن ظاهر هو وحده يشكل اليوم مرجعية شعرية في القصيد النبطي تستعاد دائماً بالبحث والقراءة عند حتى الشعراء الشباب في المنطقة. اجتماعياً، يمكن معاينة الثقافة الشعرية، أو ثقافة الشعر في الإمارات بوصفها حجر الأساس في التراث الثقافي الإماراتي ومرة ثانية تلتقط هذه المعاينة الشعرين: النبطي والفصيح لتقوم عليهما هوية جمالية محلية راسخة في كل المؤسسات الثقافية المحلية.

التراث الشعبي

من هذا الخيط نذهب إلى صورة الثقافة الشعبية، والتراث الشعبي في الإمارات بوصفه حجر أساس آخر في الوعي الثقافي المحلي، ولذلك، ومنذ نشوء الدولة في العام 1971، وإلى اليوم، فالتراث أولوية خاصة إذا كانت الثقافة أولوية عامّة، والثقافة الشعبية بكل مفرداتها المكانية والوجدانية هي مكوّن مركزي من بين مكوّنات الثقافة الإماراتية، وفي هذا الإطار أنشأت الدولة مراكز ومجلات ومسابقات وخصصت جوائز قيّمة للبحث في التراث والتاريخ المادي والمعنوي للتراث، وفتحت الدولة كل السبل المؤدية إلى إنتاج ثقافة شعبية قديمة ومعاصرة، وامتد اهتمام الدولة إلى الاهتمام الجذري بالأثر المعماري الإماراتي، وبقيت بعض الإشارات الآثارية بمثابة رموز هوياتية دالة على المكان مثل القلاع، والبراجيل، والأبواب، وعلامات الفرجان والسكيك والأبواب والشرفات وغيرها من علامات.. بقيت جزءاً مهمّاً من الصورة الثقافية للبلاد، وإلى جانب ذلك حافظت الهوية التراثية في الإمارات على علامات الحكاية الشعبية، وعلامات الزيّ، وعلامات المطبخ، وعلامة السباقات والألعاب والحكايات والخراريف وغيرها من علامات دالّة.. بقيت هي روح الثقافة الشعبية، وروح التراث المادي في الإمارات.

مركز ثقافي

مربط الفرس في هذه المادة البانورامية عن الثقافة في الإمارات هو الوصف الأول الذي يفيد بأن الإمارات تحوّلت إلى مركز ثقافي، وكما أشير في البداية فوراء ظهور هذا المركز وقائع وحيثيات وتاريخ، ولعلّ تاريخ المسرح أيضاً إلى جانب تاريخ الثقافة الشعبية الذي أشرت إليه قبل قليل هو أحد الشواهد الثقافية التي ارتفعت ضمن بناءات الدولة المختلفة.

المسرح قديم في الإمارات منذ الفرجة المسرحية الشعبية ومنذ التأليف الجماعي ومنذ صناعة الخشبة بأدوات شعبية فطرية، غير أن في الدولة اليوم نحو عشرين فرقة مسرحية، وعشرات بل ومئات العناصر المسرحية من مؤلفين ومخرجين ومهندسين فنّيين وخبراء ورشات عملية، والكثير من هؤلاء تعلّموا المسرح أكاديمياً في الكويت، والعراق، ومصر، ووقف الممثل المسرحي على خشبات العالم بمرونته وثقته بنصوصه وجسده ومعارفه النظرية والعملية.

في الإمارات مسرح للشباب، ومسرح للطفل، ومسرح للمحترفين، ومسرح مكاني (مسرح الصحراء)، ومسرح تخصصي (المسرح الجامعي مثلاً)، و(المسرح العربي)، وقام هذا المسرح على أداء الرجل إلى جانب أداء المرأة، والرجل الذي كان يقوم بدور المرأة على الخشبة، أصبح اليوم يعدّ للعشرة وهو يصعد إلى الخشبة وتقاسمه البطولة امرأة تحصد الجوائز المسرحية العديدة، كما أن هذه الجوائز المسرحية هي صورة أخرى من صور الاحتفاء العديدة بفن الخشبة.

فضاء زمني

احتفت الإمارات على مدى العقود الخمسة بالكتابة الأدبية أيضاً، وسوف تكون الثمانينات تحديداً هي عقد الشعر الحديث الجديد، والقصة القصيرة الحديثة الجديدة في الدولة، ولكن ذلك لا يعني أن السبعينات كانت فضاءً زمنياً فارغاً على صعيد الكتابة الشعرية والقصصية، لا بل ظهرت بعض الأسماء التأسيسية في السبعينات، وما هي إلاّ عقود تالية حتى ظهرت أجيال من الشعراء والكتّاب القصصيين والروائيين الجدد، ومرة ثانية، ظهرت إلى جوارهم تكريماتهم، واليوم، تسجل الإمارات في دفترها التكريمي أكثر من عشر جوائز أدبية رفيعة قيّمة تذهب إلى الناجحين والمتفوّقين في الأدب الإماراتي والثقافة الإماراتية، وتذهب أيضاً إلى العرب الذين يستحقون التكريم الأدبي الذي انفردت به الإمارات من دون البلدان العربية، لا بل تكرّم الإمارات الكتّاب العرب في أوطانهم وبين ذويهم بكل أريحية وتقدير.

الجوائز الأدبية

إذا كانت الجوائز الأدبية في الإمارات في مستوى ظاهرة تكريمية، أخلاقية، تقييمية للأدب وللإبداع عموماً، وجرت فعلاً معاينة هذه الظاهرة خلال العقود الثلاثة الماضية من عمر الدولة، فإن هناك ظاهرتين أخريين تبلورتا خلال العِقد الماضي كامتداد لحيوية قطاع الثقافة في الإمارات، وهما: صناعة النشر، والصناعات الإبداعية مع الإشارة بالطبع إلى أن صناعة النشر هي واحدة من الصناعات الإبداعية.

صناعة النشر تأخذنا بالضرورة إلى التذكير بنشأة جمعية الناشرين الإماراتيين، فقد تأسست الجمعية في العام 2009، بجهود فعلية يومية من جانب الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، وسوف تتولى لاحقاً الشيخة بدور رئاسة الاتحاد الدولي للناشرين وهو إنجاز نوعي مشرّف للإمارات، وفي العام 2017، تأسست مدينة الشارقة للنشر، وهي إنجاز إنتاجي ثقافي آخر يضاف إلى حيوية المنجز الإبداعي الصناعي في الدولة، وهنا، علينا أن نلاحظ الكيفية التي تتطوّر بها المؤسسات في الإمارات، وهي كيفية تدرّجية، ففي الثمانينات (1985) تأسس اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات وهو في جانب منه جهة نشرية، لكن نلاحظ اليوم أن العشرات من دور النشر الإماراتية قد تأسست وأُديرت بمهنية محترمة من جانب كتّاب لا قِبَلَ لهم في صناعة النشر، ولكنهم دخلوا هذا الحقل بشجاعة وجرأة والبعض منهم حقق أرباحاً جيدة من وراء هذه الصناعة التي لا يختارها وسيلة للعيش ولقمة الخبز إلاّ مُغامر. ليس النشر في الإمارات مغامرة دائماً، فنحن نعود إلى القول ثانية إن البيئة الإماراتية الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والنفسية هي بيئة مشجّعة على مشاريع كهذه أي (النشر) بخاصة في ظل قانون إماراتي يتحدد في (الصناعات الإبداعية).

الصناعات الإبداعية

ظهر مصطلح (الصناعات الإبداعية) في الإمارات على نحو لافت في فترة وباء كورونا، فقد شكل الوباء تحدياً مباشراً للصناعات الأدبية والفنية والإبداعية في الإمارات، وانهارت بعض المشاريع الصغيرة وبدا كأن هذا القطاع في طريقه إلى الانهيار، لكن الدولة ممثلة في وزارة الثقافة سارعت إلى دعم ومساعدة وحماية هذه الصناعات وفق حزمة من القوانين والمبادرات التي شجّعت فعلاً على وجود صناعات إبداعية غير مهدّدة سواءً من جانب الوباء أو من جانب أي تحدٍ آخر. الترجمة أيضاً في الإمارات صناعة، بل هي ترقى لأن تكون ظاهرة، أو أن تكون قطاعاً متخصصاً يتوازى ضمنياً مع صناعة النشر.

في أبوظبي، والشارقة، ودبي ثمة حركة ترجمة رفيعة المستوى تشمل الآداب العالمية، والتاريخ، والحضارات، والفنون من الرسم إلى الموسيقى إلى الغناء، وأصبحت الإمارات فعلاً مركزة للثقافات العالمية التي محورها الكتب المترجمة في الدولة، لكن هذا المسار الترجماني (من اللغات إلى العربية) وازاه أو واكبه في السنوات الأخيرة مسار ترجمة الأدب الإماراتي إلى الفرنسية، والإنجليزية والهندية من جانب هيئة الشارقة للكتاب.

200 صالة عرض

الإمارات إلى جانب كل ذلك بلد تعايش الفنون البصرية، وبخاصة الأعمال اللوحية (المسندية)، ففي الإمارات أكثر من 200 صالة عرض خاصة، لكن قبل ذلك حقق بينالي الشارقة مفصلاً ثقافياً عالمياً عبر دوراته المنتظمة، وستصبح الإمارات مركزاً للفنون العالمية بإنشاء لوفر أبوظبي، وأصبحت تجربة مثل تجربة حسن شريف صورة جمالية عالمية، وذهبت اللوحة التشكيلية الإماراتية إلى أرفع متاحف العالم التي تختار أعمالها وفق شروط بالغة الصعوبة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr49aae7

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"