«معركة العجول» بين الاحتلال والفلسطينيين

03:11 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

أموال مقاصة وكهرباء ومجارٍ وأموال أسرى وشهداء ومرضى ومستشفيات، أضيفت إليها معركة العجول بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين» ضمن قضايا عالقة بين الجانبين، في إطار مسعى الحكومة الفلسطينية الجديدة للفكاك الاستراتيجي التدريجي اقتصادياً من الاحتلال. ثم أضيف إلى كل ذلك الانتخابات التي دعا إليها الرئيس الفلسطيني أبومازن، ونشطت اللجنة المركزية للانتخابات في جس نبض الفصائل في غزة، خاصة حركة حماس، بشأن موقفها منها، ورغم إعلان الأخيرة موافقتها على الانتخابات، وجهوزيتها لها، فإن الموقف يظل غامضاً في حالة صدور مرسوم رئاسي بتحديد موعدها.
وحتى اللحظة كانت حركة حماس تشترط انتخابات ثلاثية متزامنة، أي انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني، بينما ترى السلطة أن الأولوية للتشريعية، ثم الرئاسية، وأخيراً المجلس الوطني لمنظمة التحرير. ولم يتضح المشهد بشكل نهائي، لكن هناك تشاؤم في هذا الشأن، مثلما هو حال اتفاقات المصالحة التي نصت على إجراء انتخابات ولم تنفذ.
ما يشغل الفلسطينيين ليس السياسة بل الاقتصاد، فقد وضعت حكومة الدكتور اشتية خطة للفكاك من الاحتلال اقتصادياً، وقام بجولة شملت العراق والأردن ومصر لسبر غور التعاون الاقتصادي مستقبلاً والاعتماد على واردات عربية بدلاً من «الإسرائيلية» وفتح أسواق للمنتجات الفلسطينية، وبدأت الحكومة باستعادة أموال المقاصة، رغم أن الاحتلال يحتجز مخصصات أسر الشهداء والأسرى بعد الاتفاق مع الاحتلال على تدقيق الفواتير والخصومات، حيث اعتاد الاحتلال خصم أموال من المقاصة من دون فواتير أو محاسبة من أحد. وكانت السلطة رفضت تسلم أموال المقاصة لمدة ستة أشهر ما انعكس سلباً على معيشة الموظفين الذين كانوا يتقاضون نصف الراتب، حيث لم توفر الجامعة العربية الدعم المالي، رغم قراراتها بتأمين مظلة مالية ب 100 مليون دولار شهرياً.
وكان الصدام الأول مع الاحتلال في العجول، حيث أوقفت السلطة استيراد العجول من الكيان، ويستهلك الفلسطينيون سنوياً لحوم عجول بمبلغ 170 مليون دولار، يوفر الإنتاج المحلي أربعين بالمئة منها، والباقي من تجار «إسرائيليين»، ويستورد «الإسرائيليون» عجول التسمين من خمس دول أوروبية، ويبيعونها للسوق الفلسطينية. وعندما بدأت السلطة في الاستيراد المباشر من الدول نفسها، فرض الاحتلال على التجار وجوب بقاء العجول لمدة 21 يوماً في العزل الصحي، بينما لو استوردها تاجر يهودي تحجز لمدة أسبوع، وهذا يزيد من تكلفة الاستيراد حتى لا ينافس السعر مع السعر الاحتلالي.
وقد هدد وزير زراعة الاحتلال، وهو من اليمين المتطرف، بوقف الصادرات الزراعية الفلسطينية إلى السوق الاحتلالية، في حالة استمرار الفلسطينيين في فرض المقاطعة على العجول، أي أن هناك مصارعة ثيران جارية الآن لم تحسم بعد.
فلسفة الدكتور اشتية تنبع من وجوب تنمية الاقتصاد الفلسطيني بشكل ينفصل تدريجياً عن الاحتلال، وقد وضع خطة تنموية عنقودية، بحيث تتخصص كل محافظة فلسطينية في مجالها، أي عناقيد صناعية في الخليل ونابلس، وسياحية في بيت لحم ورام الله، وزراعية في قلقيلية والأغوار وطولكرم وجنين.. إلخ، بحيث يتم تأسيس أو تطوير شركات، كل في مجاله، لزيادة الإنتاج وتنويعه وإيجاد أسواق خارجية لتصديره، ما يعني إيجاد فرص عمل، والاستغناء عن الإنتاج الاحتلالي. بالطبع فإن هذا الدرب التنموي طويل ومعقد ويحتاج إلى تمويل وتجاوز العقبات الاحتلالية التي ضربنا بها مثلاً في محاولة استيراد العجول، حيث يحظر الاحتلال استيرادها إلا من دول معينة، ويحتجزها لفترة لزيادة تكلفتها. فالاحتلال يربح المليارات من السوق الفلسطينية وسيحاول عرقلة أية مشاريع تنموية، فهو يستثمر الأغوار زراعياً ويجني مئات الملايين من الدولارات من صادرات زراعية، بما فيها القات. ومؤخراً تأسست أربع شركات لزراعة الماريجوانا للتصدير لأهداف طبية يترأسها جنرالات سابقون في الجيش والشرطة، وينتظر أن تدر على الاحتلال مليار دولار سنوياً. فالاحتلال يدمر المزارع الفلسطينية ويهدم منشآتها ويمنع زراعة المنطقة المصنفة (سي) التي تشكل ثلثي الضفة، وقد بدأت السلطة الفلسطينية في حث الفلسطينيين على فلاحة أراضيهم والبناء في تلك المنطقة، في إطار معركة الفكاك من أوسلو أيضاً وتصنيفاته، واتفاق باريس الاقتصادي الذي يطبقه الاحتلال بشكل سيئ لتحقيق أرباح من الجانب الفلسطيني.
المنازلة مع الاحتلال يجب أن تشمل كل المجالات، وكانت بدايتها وقف التحويلات الطبية إلى المستشفيات الاحتلالية وأتت أكلها.


[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"