نتنياهو وأزمة اللاجئين السوريين

02:02 صباحا
قراءة 3 دقائق
عائشة عبد الله تريم

لقد بلغت أزمة هجرة الشعب السوري الفار من جحيم الصراع بين متطرفين ساديين ومن استبدت بهم الأنانية ذروتها. ففي الأشهر الماضية، تدفقت أعداد هائلة من اللاجئين الباحثين عن النجاة متحدين المخاطر والإهانات.

الدول الأوروبية التي فتحت ذراعيها مرحبة بأولئك اللاجئين وفي طليعتها ألمانيا، بدأت تشعر بالقلق كلما رسا على شواطئها قارب يحمل أناساً يبحثون عن الأمل وسط معمعة البؤس والألم. فأوروبا التي تدَّعي دوماً أنها تؤمن بحقوق الإنسان، وجدت نفسها على المحك وتحت الاختبار.. إنه درس من دروس التاريخ الذي تعلمنا منه، أن الحروب مهما بلغت درجة شراستها ومهما بلغ اتساع رقعتها، لا تؤثر في البلدان الواقعة تحت نيرانها فحسب، وإنما أيضاً في بلدان العالم بأسره.
دول عدة في أنحاء العالم، تسعى اليوم وبصورة طارئة لإيجاد وسيلة لإيواء شعب فرَّ بأعجوبة من بين أنياب الموت، ودول كثيرة تبحث عن حلول جذرية ودائمة لمشكلة اللاجئين، مطالبة بإجراء محادثات سلام تحل مكان قصف الطائرات وقطع الرؤوس!
لكن حكومة واحدة، وقفت للاجئين السوريين بالمرصاد ورفضت استقبالهم، وهي حكومة بنيامين نتنياهو، وأمام هذا الرفض من جانب الحكومة «الإسرائيلية» لا بد لنا من لحظة تفكير وتأمل، لقد اعتدنا على أسلوب النفاق الذي يتحدث به رئيس وزراء حكومة مهمتها الاعتداء على المدنيين العزَّل، خصوصاً عندما يقول بأسلوبه الاستفزازي «إن «إسرائيل» ليست غير مبالية بمأساة اللاجئين الإنسانية».

إن ما تلفظ به نتنياهو يثير التساؤل حقاً، هل تمكنت حكومة «إسرائيل» التي تحاول أن تزيل دم الأبرياء عن يديها الملطختين من محو آثار الماضي المليء بالجرائم؟! وهل نسي نتنياهو والعالم نكبة عام 1948 التي تهجَّر على أثرها ملايين اللاجئين الفلسطينيين من بلادهم، حيث عمدت «إسرائيل» إلى تدمير قرى بأكملها، معلنة في النهاية استقلالها على أنقاض بيوت الفلسطينيين المدمَّرة والمنهوبة؟

ومازال الفلسطينيون منذ عام النكبة وحتى اليوم حالهم كحال كل اللاجئين في أماكن كثيرة من العالم، وهم يراقبون مستوطنات يهودية تنبت كالفطر في بلادهم، ولا يستطيعون عمل شيء. فكيف يمكن إذاً لدولة هجَّرت شعباً بأكمله، وحولته إلى لاجئين في أنحاء العالم أن تتحدّث عن مأساة اللاجئين السوريين؟! وأكثر من ذلك عن احتواء بعضهم؟!

منذ عام 2006 وحتى اليوم، بلغ عدد المهاجرين الأفارقة الفارين من الحروب الأهلية في بلادهم إلى «إسرائيل» قرابة 60 ألفاً. وقد اعتمدت حكومة «إسرائيل» على هؤلاء اللاجئين في إشغال مستوطنات غير شرعية وقيد الإنشاء. لكنَّ سجل الهجرة لدى الحكومة «الإسرائيلية» يعجّ اليوم باتهامات المعاملة العنصرية، والعمل على ترحيل اللاجئين الأفارقة الذين يقول عنهم نتنياهو متسللين!

من ناحيتها، تدعي الجماعات اليمينية في «إسرائيل» أن لديها «الحق في أن تكون عنصرية» لحماية بلدها. وبعدما انتشر شريط فيديو يظهر تعرض جندي «إسرائيلي» أسود للاعتداء من قبل أحد رجال الشرطة، احتجَّ في تل أبيب آلاف المهاجرين الأفارقة. في حين، ما تزال المنظمات غير الحكومية «الإسرائيلية» تذكر في تقاريرها أنه يتم ترحيل المهاجرين الأفارقة إلى رواندا مع وعود كاذبة بتأمين وظائف لهم في تلك البلاد.
هذا هو سجل «إسرائيل» المخزي المتعلق بالهجرة واللاجئين الذي يكشف إمعانها في عدم احترامها المستمر للقانون الدولي، وتجاهلها الكبير لحقوق الإنسان. فكيف تظن «إسرائيل» مع ما تدعيه من ديمقراطية أن العالم يصدق أنها مستعدة لاستيعاب اللاجئين والتعاون في حل أزمتهم؟!
في الواقع، بدأت «إسرائيل» بناء سياج على حدودها الشرقية لحماية نفسها مما تقول عنهم «متسللين» و«إرهابيين»، وفي الداخل، ينتصب جدار فصل عنصري شيدته «إسرائيل» تحت ذريعة الحفاظ على أمنها. فهل يمكن أن تكون في العالم حكومة أكثر عنصرية قولاً وفعلاً من حكومة بنيامين نتنياهو؟
إن اللاجئين السوريين في إيطاليا، ما زالوا يرون في «إسرائيل» التهديد الأول في منطقة الشرق الأوسط، وذلك حسب ما ذكرته وسائل الإعلام «الإسرائيلية» نفسها. ومن ذلك نستشفّ أن السوريين اللاجئين وعلى الرغم من حاجتهم الماسة إلى ملاذ آمن، لن ينسوا محنة إخوانهم الفلسطينيين، وهم على الرغم من يأسهم في الحصول على ملجأ لم ولن يسعوا إلى طلب اللجوء لدى دولة قتلت وما زالت تقتل الآلاف من المدنيين الأبرياء.
على الرغم مما يحدث اليوم من مآسٍ للشعب السوري، وما يشهده العالم العربي من تجارب تعتبر الأقسى والأكثر إيلاماً وتحدياً في تاريخ المنطقة، وعلى الرغم مما يتعرّض له الوطن العربي من محاولة للشرذمة والتفكيك على أيدي الجشعين والطامعين، ستبقى في ذاكرة الشعوب مظالم الماضي، ولن تمحوها مظالم الحاضر!

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​رئيس تحرير صحيفة Gulf Today الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"