السابقة السورية هل تفتح ملف أسلحة الدمار؟

04:56 صباحا
قراءة 4 دقائق

مسارعة سوريا إلى توقيع معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية، والاستعداد لوضع منشآتها الكيماوية تحت إشراف دولي تمهيداً للتخلص منها، هذا التطور الذي وسم الحركة السياسية خلال الأسبوع الماضي، فتح الأعين على وجود هذا السلاح وانتشاره في الشرق الأوسط . بالنسبة لدمشق فإن تفادي ضربة عسكرية أمريكية هو الذي يتصدر الأولويات، ولذلك كانت موافقتها على الانضمام للمعاهدة سريعة وغير مشروطة وهو ما يفتح الباب أمام عمليات التفتيش والتدقيق، بل أن الأمر بالنسبة للخارجية الأمريكية يتعلق بتسليم المحتويات كما أكد الوزير جون كيري في غير مناسبة وليس بعمليات تدقيق ومراقبة .

تل أبيب من جهتها عمدت إلى استغلال هذه الفرصة للمطالبة بتطبيق السابقة السورية على الملف النووي الإيراني، وهذه المطالبة متوقعة .

شلومو بروم الباحث في معهد دراسات الأمن القومي كتب مقالاً يوم 12 سبتمبر/أيلول الجاري ذكر فيه: إن تجريد سوريا من السلاح الكيماوي هو سابقة ستكون لها انعكاساتها البعيدة المدى على إيران ومشروعها النووي، وستقوّي فكرة ضرورة الضغط على إيران للتوصل إلى انجازات مشابهة .

واقع الحال أن الملف النووي الإيراني هو بأيدي المفاوضين الإيرانيين والغربيين منذ بضع سنوات، ولهؤلاء ان يتفاوضوا على كل شيء يتعلق بهذا الملف المثير للجدل . وبعيداً عن هؤلاء فإن وجهة النظر العربية يجب أن تتمحور حول إزالة أسلحة الدمار الشامل من سائر أنحاء المنطقة في إيران كما الكيان الصهيوني، وحتى من الهند وباكستان .

التنافس على امتلاك هذه الأسلحة غير التقليدية يفتح الباب امام دول عديدة في سباق لا نهاية له وهو ما يجب تفاديه . الرئيس الروسي بوتين تحدث قبل ايام بأن امتلاك سوريا لسلاح كيماوي كان يُقصد به التمتع بتوازن مع السلاح النووي الإسرائيلي . والواقع يزكي ما قاله بوتين، لجهة امتلاك الصهاينة لأسلحة دمار شامل تشتمل على أسلحة نووية وكيماوية وبيولوجية . لكن المفارقة ان السلاح الكيماوي جرى استخدامه ضد سوريين، وهي مفارقة لا مثيل لها في التاريخ، منذ ان استعمل هذا السلاح في الحرب العالمية الأولى . حيث استخدمته اطراف عدة ضد من تعتبرهم اعداءها،

واستخدمه اليابانيون في حربهم على الصين في ثلاثينات القرن الماضي رغم توقيع معاهدة حظرها في جنيف في العام ،1925 وقبل ذلك استخدمه البريطانيون ضد الأكراد العراقيين وضد الأفغان .

الصهاينة لم يستخدموا بعد أسلحة كيماوية ضد اعدائهم الفلسطينيين والعرب، لكنهم طالما استخدموا أسلحة تقليدية فتاكة مثل قنابل النابالم في حرب العام 1967 إضافة إلى أسلحة اخرى اكثر تطورا وأشد فتكاً في حروب لاحقة بعضها استخدم في لبنان في مجزرتي قانا الأولى والثانية في جنوب لبنان (القنابل الفراغية والعنقودية) .

أبعد من ذلك فإن الانترنت حافل بمعلومات عن امتلاك تل أبيب لمنشآت نووية وبيولوجية وكيماوية . وسبق أن وقعت على اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية لكنها لم تصادق عليها! . وتعتمد سياسة الغموض (لا نفي، ولا تأكيد) لمضاعفة الأثر الترويعي لهذه الأسلحة .

الآن يتحدثون عن سابقة سورية ويطالبون بفتح الملف النووي الإيراني على طريق تصفية المنشآت في ذلك البلد . وبوسع طهران ان تستخلص الدرس نفسه، فتطالب بأن تكون تل أبيب مشمولة بهذه الاجراءات . غير أن طهران تمتنع عن ذلك!

واشنطن على لسان كيري في محادثاته مع الوزير الروسي لافروف تُحاجج بأن التهديد العسكري ضد دمشق لا يعود إلى امتلاكها أسلحة كيماوية فقط، بل لأنه تم استخدام هذه الأسلحة، فإذا لم يجر تسليمها فإن الردع يصبح وارداً . غير ان انتظار استخدام أسلحة غير تقليدية من أي طرف، سوف يجعل العالم وبالذات منطقتنا يقف أمام ما هو أسوأ من توازن الرعب . الشرق الاوسط هو المنطقة الوحيدة الباقية في العالم التي تشهد حروباً نتيجة اختلالات كبرى في مقدمها وجود الاحتلال الصهيوني مدججاً حتى الأسنان بأسلحة فتاكة تقليدية وغير تقليدية، ومدججاً في الوقت نفسه بعقيدة عنصرية ترى أن الحياة، (حياتهم) مرهونة بموت الآخرين . وهو أمر جرّبته إدارة اوباما في السنة الأولى من الولاية الأولى حين تمت مطالبة تل أبيب بتجميد الاستيطان في الأراضي المحتلة لتحريك المفاوضات، فكادت هذه الإدارة تتحول إلى عدو في أعين الصهاينة الحاكمين واللوبي الصهيوني في أمريكا، وقد تواصل الاستيطان وتراجعت الإدارة عن مطالبها أيام الوزيرة هيلاري كلينتون . .

فتح ملف أسلحة الدمار الشامل في المنطقة عموماً هو الدرس الأمثل من الواقعة السورية . إيران كما سبقت الاشارة بوسعها المشاركة من جهتها بإثارة هذه المسألة ، لكنها لا تفعل رغم حملات صهيونية لا تتوقف حول ملفها النووي، بما ينبئ بأن الطموحات النووية الإيرانية تتقدم على أي اعتبار استراتيجي آخر يتعلق بالمنطقة، وعلى الأقل في هذه المرحلة . أما العرب فشبه غافلين عن هذه المسألة، رغم محاولات سابقة بذلتها مصر لحمل تل أبيب على الانضمام لمعاهدة حظر الأسلحة الكيماوية . والراجح ان الضغوط سوف تتجدد على إيران، لكنها لن تؤدي إلى شيء ملموس، فواشنطن ومعها اوروبا تتفاديان المواجهات العسكرية، وطهران ليست في وارد التخلي عن طموحاتها . فلا يبقى حينئذ في منطق التوقعات غير مواجهة بين من يمتلكون أسلحة الدمار الشامل: بين تل أبيب وطهران، ولن تكون المنطقة العربية من الخليج إلى العراق إلى المشرق في مأمن من غبار هذه المواجهة التي ما فتئت تل أبيب تهدد بها .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"