محاذير الاقتراب من حافة المواجهة

03:36 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود الريماوي

ليس من المبالغة في شيء القول بأن منطقتنا باتت على صفيح ساخن وأن ثمة أزمة محتدمة في الإقليم، لا ينفع معها التهوين، وإن كان التهويل ليس مطلوباً. وقد كان من أجلَى مظاهر هذا التوتر ما تعرضت له العاصمة السعودية من استهداف بصاروخ باليستي حوثي وحيث جرى اعتراض هذا الصاروخ من الدفاعات الجوية السعودية دون أن يحقق أهدافه العدوانية. مسؤولون فرنسيون وأمريكيون كبار من بينهم الرئيس ماكرون أعربوا عن قناعتهم بأن الصاروخ يحمل بصمات إيران. ومن الواضح أن هذا السلاح المتطور لم يكن بأيدي الانقلابيين من قبل وأن حيازته ثم إطلاقه هو نتيجة لدعم طهران للحوثيين، وليس سراً أن هذا الدعم هو وراء تعنت الانقلابيين في اليمن ورفضهم تطبيق القرارات الدولية تمهيداً لحل سياسي يتوق إليه اليمنيون.
الرياض اعتبرت من جهتها أن إطلاق الصاروخ يمثل اعتداءً إيرانياً مباشراً وهو ما تحدث به ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ووزير الخارجية عادل الجبير.
وقبل أشهر كان الحديث عن تطوير هذه الصواريخ بعيدة المدى مدار سجال إيراني- غربي. لكن طهران ما لبثت أن استخدمت هذا السلاح مرة باتجاه سوريا وقالت إنها استهدفت به «داعش»، ويصل مدى بعض هذه الصواريخ إلى ألفي كم وتحمل رؤوساً متعددة لا رأساً واحداً، بما يجعل منه سلاحاً هجومياً يهدد دول الجوار. وها هي تستخدم هذا السلاح المتطور باتجاه السعودية ولكن من خلال الحوثيين وهم ذراعها ووكلاؤها في اليمن. وبهذا فإن إيران تكون بذلك قد انتقلت إلى مرحلة جديدة في تصعيد التهديدات. وسواء كانت هذه الصواريخ في طورها الحالي قابلة لحمل رؤوس نووية أم لا، فإن امتلاك طهران لها في هذه الظروف يشكل تهديداً جدياً لجيرانها وللمنطقة، ذلك أن طهران لا تكتم نزعتها التدخلية خارج الحدود، فيما الشواهد على الأرض هنا وهناك تدلل على رسوخ هذه النزعة العدائية وتناميها باطراد، وهو ما يضع المنطقة على صفيح ساخن وإن كان أحد لا يتمنى بطبيعة الحال وقوع مواجهة يعلم الله إلى أي مدى يمكن أن تذهب إليه. والرهان هنا يقع على مواصلة الحملة على الانقلابيين في اليمن إلى أن ينصاعوا لمصلحة الشعب اليمني، ولمبادئ حسن الجوار، وللشرعية الدولية. وإذا كان الدعم الإيراني قد أسهم في إطالة هذه الحرب، وأغلق أبواب الحل السياسي، فإن هذا الدعم لم يمنح الانقلابيين أية ميزة عسكرية نوعية، ولا أوقف تقهقرهم، كما لم يسهم هذا الدعم في إدامة تحالف الحوثيين مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وحيث يشهد هذا التحالف المزيد من التصدعات.
أما مسؤولية لجم الجموح الإيراني بما يتعدى اليمن فإنها لا شك مسؤولية دولية. وذلك بعدما أثبتت التطورات خلال العامين الماضيين منذ توقيع الاتفاق النووي، أن الحد من القدرات أو الاستعدادات في هذا المجال، ليس على أهميته الفائقة كافياً لكبح الجموح الإيراني، وأنه لا بد من شمول التدخلات الإيرانية في شؤون المنطقة بالمراقبة والضبط، باعتبار ذلك يشكل جزءاً لا يتجزأ من الضمانات المطلوبة لأمن واستقرار المنطقة، وبما ينسجم مع روح الاتفاق النووي التي تقضي بإبعاد شبح المخاطر، ووقف الطموحات غير المشروعة التي تهدد دول الجوار. إذ لا يعقل أن يجري الحديث عن الالتزام بالاتفاق النووي ودعوة الأطراف الستة للتمسك به، في وقت تمنح فيه طهران لنفسها حق زعزعة استقرار المنطقة بمختلف الأساليب، بما في ذلك تسليح ميليشيات محلية هنا وهناك تدين بالولاء لطهران وتقوم بتنفيذ أجندتها الإقليمية. وقد جاء الاعتداء على الرياض في هذا السياق الذي أخذ ينحو منحىً تصعيدياً، في محاولة لاستغلال الانشغال الأمريكي بأزمة كوريا الشمالية وما تشهده العلاقات الأمريكية الروسية من اضطراب، وكذلك ما يكتنف الإدارة الأمريكية من تجاذبات بين أركانها حول العديد من المسائل الداخلية والخارجية.
يجب إبلاغ الطرف الآخر على ضفة الخليج بأن أي تصعيد إضافي من طرفه أو الوصول إلى حافة مواجهة، لن يكون في مصلحة أحد، بمن في ذلك الطرف الذي أدمن على الاستفزاز والتصعيد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"