عادي

المحيي والمميت

23:14 مساء
قراءة دقيقتين
رغيد
رغيد جطل

رغيد جطل

على الرغم من أن العلم أجاب عن أسئلة كثيرة، وأوجد حلولاً لمسائل شديدة التعقيد، فإنه ما يزال عاجزاً عن إيجاد حلّ لأمرين هما الموت والحياة؛ إذ إن الطب على الرغم من تطوره، فإنه لم يستطع منع الموت عن أي إنسان، وكذلك لم يتمكن من بث الحياة في عروق من كُتب عليه الموت. وهي رسالة من الله لنا بأن من بيده الحياة والموت هو الله وحده، وأن الإنسان عليه أن يسلك الأسباب من دواء وعلاج ونحوهما ثم يتوكل على الله وحده.

المحيي والمميت هما صفتان اختص بهما الله سبحانه وتعالى، فهو وحده المحيي للمخلوقات وهو وحده المميت لهم، ومن المعاني التي أوردت المحيي ما أورده البيهقي حيث قال: المحيي هو الذي يحيي النطفة الميتة، فيخرج منها النسمة الحية، ويحيي الأجسام البالية بإعادة الأرواح إليها عند البعث، ويحيي القلوب بنور المعرفة، ويحيي الأرض بعد موتها بإنزال الغيث، وإنبات الرزق، فهو سبحانه من بيده أمر المخلوقات، فمن قُدِّر له الحياة لن يستطيع أحد منعه، أما معنى المميت فهو المقدّر على مخلوقاته الموت، وهو، سبحانه، قدّر الحياة والموت في علم الغيب عنده، والخلق عليهم أن يسلكوا السبل المنجية لهم، ويسلموا الأمر للمحيي المميت سبحانه.

المؤمن يدرك عقلاً ويقيناً أن حياته في هذه الدنيا ما هي إلا مرحلة مؤقتة، وأنه لا خلود فيها وإدراكه العقلي مردّه أن حياته ابتدأت بالولادة فلا بد أن تنتهي بالموت؛ إذ كل ما كان له بداية فلا بد من وجود نهاية له، وأما يقيناً فلأن الله سبحانه وتعالى أخبر في كتابه الكريم بذلك «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ» آل عمران: 185، ولم يستثن من الموت أحداً حتى أحبّ خلقه إليه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، خاطبه «إنك ميّت وإنهم ميّتون» الزمر: 30.

الله تعالى لم يخلق الإنسان عبثاً؛ بل خلقه لحكمة عظيمة واستخلفه في الأرض ليعمرها ويسخّر ما فيها لمنفعة خلق الله وجعل الحياة والموت اختباراً للإنسان «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ» الملك: 2، فمن عمل وسعى في الخير وجعل من حياته سبباً لحياة الآخرين سعد في حياته ونال رضوان الله بعد مماته، ولعظم عمله عدّه الله بأنه يسهم في إحياء النفس «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا» المائدة: 32.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mrhbyc8c

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"