مستقبل مصر . . الخيارات والبدائل

03:34 صباحا
قراءة 4 دقائق
د . مصطفى الفقي
تشغل المصريون جميعاً هواجس مستقبلية تتعلق بما يمكن أن يخفيه القدر لهذا الوطن، واضعين في الاعتبار أن إرادة الشعوب تصنع المعجزات، وذلك يعني أن بمقدورنا أن نغير ملامح المستقبل وفقاً لقدرتنا على توجيه الحاضر نحو غاياتٍ محددة وأهدافٍ واضحة، وإذا تأملنا جيداً خريطة الحياة المصرية في جميع جوانبها لوجدنا أنها حافلة بالخيارات التي يمكن الانتقال بينها والانتقاء منها للخروج نحو مستقبلٍ أفضل، ولعلنا نقدم هنا بعض هذه الخيارات والبدائل الموجودة عنها:
* أولاً: علينا أن نحدد منذ البداية الرؤية التي نسعى إلى الوصول إليها أو "دولة الحلم" و"مجتمع الأمل" اللذين نهدف إلى بلوغهما، فالهنود في بداية الخمسينات بزعامة "جواهر لال نهرو" وضعوا تصوراً لمستقبل بلدهم ومضوا فيه إلى النهاية لذلك فإن مصر مطالبة الآن برسم الخطوط العريضة ووضع التصور الشامل لهذا البلد على المدى القريب والبعيد، إننا نريد أن نتحدث عن "مصر عام 2020" وعن "مصر 2050" محددين الأهداف والغايات ومختارين الوسائل والخطط لتحقيق ما نسعى إليه، إذ إن الهدف هو دولة عصرية حديثة تقوم على سيادة القانون وتهتم بالبحث العلمي وتستغرق بجدية في المشروعات التنموية وتفكر في الأجيال القادمة وتبني صروحاً لمستقبلٍ أفضل يضع "مصر" على المسار الصحيح .
* ثانياً: كان يمكن أن يحدث العكس أيضاً فتأتينا مفاجأة خلال سنوات قليلة قادمة وهي أننا شيدنا بلداً يقوم على "التعصب" و"ضيق الأفق" و"قصر النظرة"، مع انعدام القدرة على فهم المتغيرات حولنا، فيزداد التعليم تراجعاً وتتدهور الرعاية الصحية ونعيش في جدلٍ دائم نتحدث عن الماضي ونلوك شعارات لا طائل وراءها ولا جدوى منها، وفي هذه الحالة نكون قد اخترنا طريق "الانتحار"، وأعملنا معاول الهدم في بلدٍ يجب أن يكون من أرقى بلاد الدنيا وأهم دول العالم، إن الطريقين متاحان، وعلينا أن نحزم أمرنا بشدة وأن نقتحم المستقبل في جسارة، وأن نضع الجدية أسلوباً، والاستمرار المتواصل طريقاً وإلا ضاعت آمالنا وتشتتت أحلامنا .
ثالثاً: إن مشكلة مصر ليست فقط في ظروفها الداخلية الضاغطة ولكنها تتجاوز ذلك إلى ماهو أكبر إذ إن الفضاء العربي يعاني من تشوهات لا تخفى على ذي بصيرة كما أن "الإرهاب" يستهدفه من كل جانب، ولم يواجه العرب من التحديات مثلما هم محاطون به حالياً، من هنا فإن الخطوات التي تقطعها مصر سوف تكون بمثابة مؤشر للوضع العربي العام في المنطقة، ولا توجد دولة معاصرة تحتمل الضغطين الداخلي والخارجي في آنٍ واحد، فلقد واجه عبد الناصر ضغوطاً خارجية ولكنه حسم أمر الضغوط الداخلية منذ البداية، أما السادات فقد تراجعت من حوله الضغوط الخارجية ولم تتصاعد عليه كثيراً الضغوط الداخلية، إلا أن مصر الآن تواجه النوعين من الضغوط معاً بما يجعل خياراتها صعبة وقدرتها على مرونة الحركة غير متاحة بالقدر الذي تحتاجه .
* رابعاً: إن دوراً بديلاً ينتظر مصر ولابد من الإقدام عليه وأعني بذلك الإقدام على الانتقال السلمي من أجيال تنصرف بحكم معايير الأعمار إلى أجيالٍ قادمة تتجه نحو المستقبل بعد شعورٍ طويل بالتهميش، حيث احتكرت أجيالٌ كل ما يتصل بمقدرات الوطن لعقودٍ طوال وآن الأوان لكي تتجه مصر نحو الاستقرار وتسعى إلى تنمية حقيقية وديمقراطية كاملة .
* خامساً: إن السياسة الخارجية المصرية محتاجة إلى التوازن بين دورها العربي ووجودها الإفريقي مع تحديد ملامح هويتها الوسطية المرتبطة بموروثها الثقافي وتراثها التاريخي الذي عرفها الناس به وساندوها من أجله، إذ لا بد أن تتميز مصر بما أدركه من ارتبطوا بها وعاشوا فيها، إن مصر التعددية والتسامح والانفتاح الثقافي والليبرالية الفكرية يجب أن تستعيد ما كانت عليه .
* سادساً: إن المشكلة السكانية تظل هي مشكلة المشاكل أمام المستقبل المصري، ولقد أفزعني أن معدل الزيادة السكانية بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني قد تزايد، وهو ما يعني أننا غير جادين في الإصلاح ولا حتى راغبين فيه، إذ لا تقاس قيمة الأمم ومكانة الدول بحجم سكانها ولكن بإمكاناتها الاقتصادية ودورها الإقليمي، فالتعليم والصحة بل والإسكان والنقل تتأثر كلها بمخاطر الانفجار السكاني الذي عرفته "مصر" في العقود الأخيرة خصوصاً أننا نواجه زيادة في الكم وانخفاضاً في الكيف، وليست الظواهر المؤسفة في حياتنا من عشوائيات وأطفال شوارع وبلطجةٍ ممنهجة إلا عوارض لحالة الزحام الناجم عن الزيادة السكانية الهائلة!
* سابعاً: إن الخيارات الوطنية تتأرجح صعوداً وهبوطاً وفقاً لظروف كل عصر ورموزه، فلا يتصور أحد أن الشعوب تبنيها شعارات أو تقيمها سياسات جزئية تؤدي إلى السقوط في متاهة التفاصيل من دون وجود رؤية شاملة تسمح بالانتقال من العام إلى الخاص وليس العكس، فالنظرة الجزئية تدمر معالم الطريق وتسمح بحالة من التشتت الذي لا يؤدي إلى ما يجب أن تكون عليه أمم تبني وشعوب تنهض، ولو تعود المصريون أن يحترم كل منهم خيارات غيره من دون تحامل أو تجريح أو إسفاف فإننا يمكن أن نتحدث عن درجة عالية من الجدية افتقدناها عبر السنين .
إن قصارى ما أريد أن أذهب إليه هو أن أدق ناقوس الخطر قائلاً إن حركة الشعوب أمام عنصر الزمن تبدو كالعوم ضد التيار فهي تحتاج دائماً إلى قوة دفعٍ نحو الأمام ولا تسمح بحالة السكون النظري الذي لا يؤدي إلى نهضة مأمولة أو تقدم مطلوب، إنني أدعو على المستوى العربي كله إلى روحٍ جديدةٍ من التضامن وفقاً لنظام السرعات المتفاوتة بين الأشقاء، ولنا في "الاتحاد الأوروبي" قدوة لأنه لم يفرض أمراً ولم يجبر أحداً، فالخيارات حرة والبدائل متاحة والقافلة تمضي نحو غاياتها .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دبلوماسي وباحث وأديب ومفكر ومؤرخ وكاتب، يمتلك خبرة واسعة في المجالات السياسية والثقافية ألَّف 36 كتابًا تسلط الضوء على بعض القضايا مثل الإصلاح السياسي والفكري القضاء على كل أشكال التمييز ضد الأقليات، والوحدة العربية والتضامن

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"