رأسمالية ريادية الأعمال

21:58 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبد العظيم محمود حنفي*
تطرح دراسات اقتصادية غربية تساؤلاً مفاده، إذا كان العلاج بالصدمة لن يكون مستداماً بشكل عام إذا طبق في البلدان النامية، وذات الأسواق الناشئة، فما البديل؟ وطرحت تلك الدراسات اقتراحاً في شكل ما من التغيير التدريجي أو رأسمالية ريادية الأعمال عند الهامش، والفكرة هنا هي تشجيع ريادة الأعمال مع عدم ضرورة تفكيك ذلك الجزء من الاقتصاد المعتمد على قيادة الدولة. وقدمت أمثلة من النموذج الاقتصادي الصيني، كما تقدم مثالاً لبلدان أخرى كانت فقيرة ولا تملك موارد طبيعية، وكانت الدولة تقود الاقتصاد وبعد ذلك نجحت في التخلي عن قيادة الدولة بمرور الوقت، كما ركزت على تحفيز النمو على الهامش في قطاعات مختلفة مثل الزراعة، الكيماويات، الإلكترونيات، وتكنولوجيا المعلومات. وساعدت في إيجاد حل حول إلى أي مدى تستطيع حكومات تلك الدول قيادة هذه العملية على طول الخط من خلال السماح، وبالأحرى تشجيع نقل التكنولوجيا إلى الاستخدامات الخاصة إضافة إلى ذلك حققت بعض تلك البلدان - القليلة السكان - استفادة فريدة من نوعها من كونها مقصداً رئيسياً للتدفق الهائل ( مقارنة بحجم السكان قبل قدومهم) كالمهاجرين ذوي التعليم المتقدم، مما ساعد تلك البلدان في إطلاق مشاريع التكنولوجيا المتقدمة، وبشكل خاص كمستخدمين بشركات بدأتها حكومات تلك البلدان كريادي أعمال.

وقد سهلت تلك الحكومات بدء وتوسيع مشاريع التكنولوجيا المتقدمة بوسائل أخرى مثل توفير الإسكان المؤقت للمهاجرين ذوي التعليم المتقدم وغيرها من سبل المعيشة، وقامت بعض تلك البلدان بإنشاء صندوق حكومي، لدعم المشاريع وتقديم رأس المال الابتدائي للمشاريع التي كانت تملك بالفعل ظهيراً من القطاع الخاص. ومن المراجعة التفصيلية التي قام بها بعض علماء الاقتصاد في مراكز دراسات اقتصادية، استخلص هؤلاء أن الوفاء بهذا المتطلب قد تزاوج مع عملية ماهرة، لصنع القرار في الصندوق، مما جعل دعم الحكومة ناجحاً، وعلى الرغم من صعوبة معرفة أي الشركات تحديداً التي استفادت من هذا، فإن الصورة العامة لنجاح ريادية الأعمال لا تخطئها العين.

إذن إلى أي مدى بالضبط تستطيع الحكومات المرتبطة بقيادة الدولة أن تيسر فتح الطريق أمام ريادية الأعمال؟ تجيب تلك الدراسات إنه يجب أولاً أن يكون لديها الدافع لبدء التغيير ولا يرجح أن يحدث هذا إلا إذا دخلت اقتصاداتها في دورة الركود، أو كان أداؤها الاقتصادي باهتاً لفترة ممتدة من الزمن سواء بالمعايير المطلقة أم النسبية، مقارنة ببلدان ينظر إليها الشعب والمسؤلون الحكوميون كنظراء أو منافسين.

ولهذه الأسباب يرجح على الأغلب نجاح أي استراتيجية إصلاحية للتخلي عن قيادة الدولة إذا قامت بتسيير ريادية الأعمال دون أن تهدد بشكل فج ومباشر المصالح الكبيرة المستقرة في كل من القطاع العام أو الخاص. غير أنه بمرور الوقت، ومع تكوين ونجاح المشاريع الجديدة، ستتحرك القوة الاقتصادية والسياسية باتجاهها بشكل طبيعي، كما يمكن للضغوط الخارجية أن تشع التغيير، ويقولون إن القادة في اليابان الذين يريدون التغيير قد رحبوا في أغلب الأحيان بالضغوط الخارجية ( من الولايات المتحدة خاصة )؛ حيث استفادوا منها في تبرير الإصلاحات الداخلية وكذلك بالنسبة للرغبة في لعب دور أكبر؛ إذ يمكن للساحة الدولية هي الأخرى أن تشكل دافعاً قوياً للتغيير، مثل رغبة الصين في تقليل حواجزها أمام التجارة والاستثمار، وتحسين مؤسساتها القانونية.

وسبق أن قام التقرير السنوي للبنك الدولي بعنوان «ممارسة الأعمال» بتوفير معايير لأول مرة يمكن للبلدان استخدامها لقياس تقدمها ويمكن أن يستدل من حقيقة قيام عدد من البلدان بخفض كُلفة بدء وتنمية المشاريع في السنوات الأخيرة. على أن بعض الحكومات تنظر بجدية إلى مسألة ترتيبها في التصنيف الذي يقوم به البنك وتريد أن تتحاشي الإحراج من تصنيفها كل عام بين الدول المتأخرة في هذه الجهود. ومن ثم وحسب المنطق السابق، هناك عدد من عناصر نجاح ريادية الأعمال تحتل أولوية عاجلة. فعلى المدى القصير يجب أن يوضع خفض تكاليف وتشغيل الأعمال الجديدة على رأس أي قائمة، وعلى الرغم من أن الإعمال الجديدة يمكن أن تتحدى – بل ستتحدى بالفعل – المنشآت القائمة، فإن الشركات الكبيرة المستقرة والتي استفادت في الماضي من تفضيلات ورعاية الدولة لها قد لا تنظر للمشاريع الجديدة كتهديد جدي لها بسبب صغر حجمها (في البداية على الأقل ).

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8855mu

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"