ماذا يجري في حزب الوفد؟

04:48 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. مصطفى الفقي

قضيت في خدمة السلك الدبلوماسي خمساً وثلاثين عاماً قبل أن انتقل إلى العمل البرلماني ثم الأكاديمي ثم الثقافي وبذلك كنت ممنوعاً من الانضمام إلى الأحزاب السياسية، ولكن عندما تركت وزارة الخارجية وتم تعييني في مجلس الشعب الأسبق أصبحت تلقائياً عضواً في الحزب الوطني، ولكن إرادتي دائماً كانت تهفو إلى حزب الوفد فأنا قريب للمغازي باشا القطب الوفدي الكبير بمحافظة البحيرة، وقد عشنا معه وتربينا في أملاكه الواسعة، وما زلت أتذكر عندما تجاوزت الخامسة من عمري بشهور قليلة جاءت انتخابات عام 1950 التي فاز فيها ابن الباشا محمد المغازي على نائب المرشد العام ل«الإخوان المسلمين» (أحمد السكري) في دائرة المحمودية، ورأيت تجمهر الناس وراء مرشح الوفد، وظل الأمر مترسباً في أعماقي حتى بدأت الدراسة للدكتوراه في جامعة لندن حول دور الأقباط في السياسة المصرية. ولقد كان الأمر برمته يتمحور حول ثورة 1919 ودور حزب الوفد في تلك الفترة حتى ثورة عام 1952. وقد تعززت صلتي بالوفد أثناء رئاسة فؤاد باشا سراج الدين له وقد كانت صلتي به قوية لأسباب متعددة وجمعتني به لقاءات دائمة تعلمت فيها من ذلك الرجل الحصيف دروساً في الحياة، وفي ترشيد القرار السياسي تجعلني أعتز به دائماً وعندما أصبح لي الخيار في الانتماء الحزبي بعد ثورة 25 يناير 2011 اتجهت إلى الحزب الذي التقي معه في الليبرالية السياسية والوحدة الوطنية مع مسحة علمانية مؤمنة في ذات الوقت؛ لكنها تفصل بين الدين والدولة.
ولقد تغيرت قيادة الحزب مؤخراً وجاء على رأسه مستشار قانوني هو واحد من ألمع المحامين المصريين وبدأ يجمع الشتات ويوحد الصفوف ويدعو الطيور التي غردت خارج السرب للعودة لأحضان حزبها والارتباط بتاريخها الذي لا يمكن أن تمحوه أحداث عابرة أو أزمات طارئة، وإذا كان الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يؤيده الوفديون في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ الوطن قد رأى أن فترة رئاسته القادمة سوف تسعى إلى بناء الإنسان المصري، والتركيز على التدريب السياسي والتعليم والثقافة والشباب، فإنني أظن أن هيكلة حزب الوفد وإبراز دوره التاريخي هي من لزوميات هذه المرحلة، وهنا نشير إلى الملاحظات التالية:
أولاً: إن الحزب يعاني أزمة مالية طاحنة تسهم نفقات الصحيفة في جزء كبير منها والأمر يقتضي توفيراً للموارد وترشيداً للنفقات وإعادة للنظر في ممتلكات الحزب حتى يجتاز هذه المرحلة الصعبة في تماسك وترابط لابد منهما، وأنا أُذكر الوفديين أن هذا العام يسجل مئوية حركة التفويض الشعبية لسعد زغلول ورفاقه والاكتتاب من أجل الوفد المصري الذي يفاوض طلباً للاستقلال بلا تفريط أو تنازل وهذه الذكرى المئوية مناسبة تدعونا إلى إمكانية القياس على الماضي؛ باكتتاب كل من يريد للوفد أن يقف على قدميه داعماً للدولة وأمنها الإقليمي ومصالحها الوطنية دون تردد أو تباطؤ.
ثانياً: أدعو الشخصيات العامة وأصحاب التميز في كل المجالات إلى دعم الحياة السياسية وفق ما يريدون من اتجاهات وما يحملون من انتماءات، شريطة أن يقف الجميع على أرض وطنية ترفض العنف وتدين الإرهاب، ولا تسمح باستغلال رسالات السماء في صراعات القوى السياسية على الأرض، إنني أرى صراحة أن الرئيس ونظامه السياسي لهما ظهير شعبي يجب أن يقوى وأن يستمر وأن يدعمه أصحاب الرؤى السياسية المختلفة دون تفرقة أو تمييز؛ فالوطن أغلى من الجميع وهو فوق المصالح الذاتية والانتماءات الحزبية والمناورات السياسية.
ثالثاً: إن ممارسة حق الاختيار بين المطروح على الحياة السياسية وخياراتها المختلفة هو أمر يقع في صميم العملية الديمقراطية التي تحتاج دائماً إلى رؤية شاملة ونظرة بعيدة تستشرف المستقبل بنزاهة وترى الغد بمنظاره هو وليس بمنظار الماضي أو الحاضر.
إن حزب الوفد يمثل فصيلاً سياسياً وطنياً يجب أن يدعم مسيرة الوطن، وأن يسهم في البناء السياسي والاقتصادي خصوصاً وأن مصر تواجه تحديات لا تخفى على أحد، والوطنية المصرية هي الملاذ الذي نلجأ إليه ولا بديل عنه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دبلوماسي وباحث وأديب ومفكر ومؤرخ وكاتب، يمتلك خبرة واسعة في المجالات السياسية والثقافية ألَّف 36 كتابًا تسلط الضوء على بعض القضايا مثل الإصلاح السياسي والفكري القضاء على كل أشكال التمييز ضد الأقليات، والوحدة العربية والتضامن

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"