رسالة إلى قداسة البابا

04:10 صباحا
قراءة 4 دقائق
قداسة الحبر الأعظم
أستأذنك بهذا النداء، بصرخة أمل في غياب كل أمل، مقرونة بإيمان بالله، ومستلهماً سر حب الله لجميع خلقه، وداعياً لشراكة المحبة مع كل مظلوم ومتألم .
زيارتك للأرض المقدسة، فيها الروح المسكونية الإنسانية والرعوية، وفيها الأبعاد السياسية . . . وفيها ما هو مطروح على ضميرك، لرفع الصوت تنديداً بالظلم، وبتوبة عن الصمت، وعن اللامبالاة تجاه أسرى وجرحى، وأطفال لا يقدرون أن يعيشوا طفولتهم في الأرض المقدسة، ومسيحيين فلسطينيين، هُجروا من أرض المسيح، والتي قد تخلو منهم إذا ما استمر الاحتلال والطرد والتهويد و"الأسرلة"، وتمييز عنصري صارخ، يتمادى كل يوم تحت سمع وبصر العالم .
زيارتكم مقدرة، وعالية القيمة، تعبر عن مفاهيم ترسخ أخوة الإيمان والمحبة الإنسانية لعمارة الأرض واحترام كرامة الإنسان، وتضيء شمعة، نرجوها أن تكون كلمة حق، وتضميد جراح، وشد عزيمة من بقي في الأرض المقدسة، مدافعاً عن أرضه وحقوقه وإرثه الكنسي والاجتماعي، ومتجاوزاً حدود الخوف، ومؤمناً بأن جميع المؤمنين بالله، ومن كل أمم الأرض، هم شعب الله المختار، لا هؤلاء الذين لم يسمعوا صوت الحق والعدل، ولا حفظوا عهوداً لله، "ويقولون سلام سلام ولا سلام" (أرميا 6:14) .
يعرف قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس، أن "مسيحية" مسيحيي فلسطين المحتلة متجسدة، تمس لحم الأرض وزمانها، ويعرف أيضاً، أن الاحتلال "الإسرائيلي" دنس مقدسات وكنائس، ومدينة القدس أيضاً . . وما زال يغتصب حقوق وهوية ومستقبل عرب فلسطين، من مسيحيين ومسلمين .
مسيحيو الشرق، هم أبناء الحضارة العربية الإسلامية منذ فجر التاريخ إلى اليوم وورثتها، وهم في قلبها منذ بزوغها .
وحينما تصل إلى القدس وبيت لحم، وموقع تعميد عيسى ابن مريم عليهما السلام . . تكون قد وصلت إلى دنيا الشهادة، وستسألك الأرض عن مصيرها، رغم أن مسيحيي فلسطين ما عادوا ينتظرون إدارة لاهوتية لهم، من أحد يعيش خارج أرضهم الرسولية، بعد أن بعثرتهم الصهيونية - المحملة بالخطيئة - في أرجاء الأرض .
نعرف أن للحبر الأعظم، مهمات "رسولية"، وأجندة سياسية، وفي الشرق أيضاً يتداخل الديني والسياسي، ويصبح من الصعب عزل الزيارة عما يجري في الوطن العربي، وبخاصة فيما يتعرض له مسيحيو الشرق اليوم من أشكال الضغوط والابتزاز والتهجير والترهيب .
هل ستقول أيها الحبر الأعظم كلمتك، وتشهد على ما يجري لرعيتك، وعلى الأرض التي ولد فيها المسيح عليه السلام وعاش فيها ورُفع إلى سمائها؟
لا تُحمل رعيتك أوزاراً إضافية، بل اسمع توسلاتهم وقلقهم، وأِنت تصلي في القدس وبيت لحم، وتقتفي على جبل الزيتون آثار أقدام عيسى ابن مريم عليهما السلام، لا تشهد بالزور، حاشا لله، أمام نتنياهو، قاتل أبناء رعيتك وأجدادهم، تذكر أنك حينما تقف أمام حائط البراق، إن هذا الحائط هو وقف إسلامي منذ عام ،1929 بقرار دولي، وأسماه الاحتلال حائط المبكى، تذكر وأنت تضع ورقة مطوية في شقوق هذا الحائط، خمسة ملايين لاجئ مسيحي وفلسطيني، ما زالوا مشردين في المنافي والمخيمات منذ 66 عاماً وأن شباب مسيحيي غزة من سن 16-35 عاماً، لم يسمح الاحتلال لهم باستقبالك، وحرمهم من حرية التنقل وزيارة المزارات الدينية في القدس وبيت لحم .
وحينما ستدخل القدس الشرقية، سُرة العالم القديم، صل لأجل خلاص هذه المدينة الحزينة، والتي هُجر مسيحيوها، ولم يبق فيها إلا نحو ألفين من رعيتك، بعد أن كان عددهم يزيد على ثلاثين ألفاً في العام 1967 .
صل لهذه المدينة، التي كانت مركز نشاط عيسى بن مريم عليهما السلام، وارتبطت منذ القرن الرابع الميلادي، بفكرة الحج المسيحي، وبمفهوم الخلاص كمبدأ لاهوتي، صل لأجل خلاصها، ممن هودها، وقتل حيويتها، وشوّه بيئتها المعمارية والروحية، وأعاد تشكيلها بشكل وحشي قبيح، ودمر معمارية تعود لألفية خلت، وبنى على أراضي مقدسيين مسيحيين ومسلمين، قلاعاً استيطانية هائلة بالغة القبح، وشطر المدينة المقدسة، بجدار عنصري، تمطى كأفعى وحشية، تفرق العائلات وتدّمر الأحياء والأضرحة التاريخية، وقبور أولياء وكهنة صالحين، وعلماء، وقادة من جيش صلاح الدين، الذي حرر القدس من الفرنجة في العام 1187 .
تأتي زيارتك إلى الأرض المباركة، في ذكرى شهر النكبة قبل 66 عاماً، حينما اقتلع الاحتلال "الإسرائيلي"، بشكل جماعي، أكثر من مليون فلسطيني من مسيحيين ومسلمين، ودمر البنية الاجتماعية والانتاجية . . وما زالت النكبة مستمرة، وحينما تزور موقع تعميد المسيح عليه السلام، ستلتقي لاجئين من سوريا والعراق، وربما أيضاً آخرين من لاجئي مسيحيي الشرق، سيقولون لك، إنهم بحاجة إلى سلام وطمأنينة، وعيش مشترك مع شركائهم في أوطانهم، وإنهم بحاجة إلى مواقف أكثر من الصلوات، وبحاجة إلى زيادة عزلة الدولة السبارطية الفاشية، وإلى وقف محاولاتها توريط مسيحيي فلسطين، بالانخراط في جيشها العنصري الفاشي، بهدف تفتيت نسيج المجتمع الفلسطيني، وعزل المسيحيين، وتدجين من يقاوم الاقتلاع وطمس هويته العربية .
تذكر، أيها الحبر الأعظم، حينما تلتقي عيناك بعيني، البولندي شمعون بيريز، رئيس دولة الاحتلال، أنه صاحب مجزرة أطفال قانا الجليل، ولعلك في تلك اللحظات تستحضر عرس قانا الجليل في الإرث المسيحي القديم، وفي نشأة المسيحية أيضاً، وربما زيارة المسيح عليه السلام وتلاميذه لهذه البلدة اللبنانية .
(في رسالة يوحنا الأولى 3:18) ورد ما يلي:
"فلا تكن محبتك بالكلام ولا باللسان، بل بالعمل والحق" .

د . يوسف الحسن

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"