فرصة ترامب للإفلات من العزل

03:08 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. محمد السعيد إدريس

القرار التاريخي الذي أصدره مجلس النواب الأمريكي، مؤخراً، بإدانة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتهمتي استغلال السلطة وعرقلة عمل الكونجرس يضع الولايات المتحدة أمام مفترق طرق بخصوص إدارة الحكم والسياسة في أكبر الدول الديمقراطية في العالم، وليس فقط العلاقة بين الإدارة الأمريكية (السلطة التنفيذية) وبين الكونجرس (السلطة التشريعية). فالقضاء، وهو السلطة الثالثة، سيدخل طرفاً أساسياً في الأزمة التي باتت تتهدد النظام السياسي الأمريكي، لأن رئيس المحكمة العليا هو من سيترأس جلسات محاكمة الرئيس الأمريكي أمام مجلس الشيوخ، وهو المجلس الذي بيده قرار عزل الرئيس من منصبه أو رفضه.
وعلى الرغم من أن كل المؤشرات تؤكد أن مجلس الشيوخ بأغلبيته الجمهورية سيقف بقوة داعماً للرئيس، ورافضاً لاتهامات مجلس النواب بأغلبيته الديمقراطية، وهو ما يعني أن ترامب لن يُعزل من منصبه، فإن تقديمه للمحاكمة من ناحية، والانقسام حول قرار العزل بين أغلبية ديمقراطية في مجلس النواب وأغلبية جمهورية في مجلس الشيوخ يؤكد من ناحية ثانية أن الصراع سيصبح على أشده بين الديمقراطيين والجمهوريين في كل من مجلسي النواب والشيوخ، وأن هذا الصراع سيتصاعد في فترة شديدة الحساسية بسبب اقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية التي قرر الرئيس ترامب خوض غمارها بكل ما لديه من قوة. وهذا يعني من ناحية ثالثة أن الرأي العام وكافة مؤسسات ما يمكن اعتباره «مرتكزات الدولة العميقة» من إعلام وأجهزة تحقيق وأجهزة أمن واستخبارات ستكون طرفاً هي الأخرى في أزمة شديدة الحساسية من شأنها أن تؤدي ليس فقط إلى انقسام حاد في أوساط الرأي العام بين الديمقراطيين والجمهوريين، بل وأيضاً حول القيم الحاكمة للولايات المتحدة. هل هي القيم الديمقراطية والأخلاقية والنزاهة والشفافية في إدارة الحكم أم قيم القوة الاقتصادية ومستوى المعيشة ومعالجة البطالة، وجعل الولايات المتحدة «الاقتصاد الأقوى في العالم» على نحو ما يتغنى ويفاخر به الرئيس الأمريكي رداً على منتقديه، بقوله «الولايات المتحدة هي الأقوى اقتصادياً في العالم.. ونحن في موقع ممتاز»، هذا النوع من الانقسام متعدد المستويات من شأنه أن يفرض استقطاباً غير مسبوق في المجتمع الأمريكي ويحول الأزمة من أزمة حكم إلى أزمة مجتمعية ممتدة، بمعنى أنها لن تنقضي لا بالقرار الذي سيصدره مجلس الشيوخ بحق ترامب، سواء كان بالعزل من منصبه أم بتثبيته فيه، ولا بإجراء الانتخابات الرئاسية في نوفمبر / تشرين الثاني القادم، بل ستمتد تداعياتها إلى ما هو أطول وأعمق من ذلك، وستفرض حتماً أسئلة تتعلق بمستقبل السياسة والحكم في الولايات المتحدة وانعكاسات ذلك على سياستها الخارجية ومكانها في المنظومة الدولية.
الانقسام نفسه موجود في أوساط الرأي العام، فحسب أحدث استطلاعات للرأي أجرته مجلة «بوليتيكو»، بالتعاون مع شركة «مورنينج كونسلت» للتكنولوجيا المتخصصة في الأبحاث وبيانات استطلاع الرأي، ونشرت نتائجه يوم الأحد (22/12/2019) مجلة «يو.إس.أيه توداي»، فإن 52% من المشاركين أيدوا مساءلة الرئيس، بينما عارضها 43%.
وفق هذا الاستقطاب سوف تكون الإجابة عن التساؤلات الثلاثة الصعبة التي ستواجه الأمريكيين على مدى عام كامل من الآن حتى إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهي:
- إلى أي حد ستؤدي محاكمة ترامب إلى تهديد فرص تجديد ولايته الرئاسية؟ وما حدود فرص فوز ترامب في هذه الانتخابات؟
- إلى أي حد يمكن أن تؤدي هذه النتائج، سواء في حالة فوز ترامب في الانتخابات أم فشله، إلى تعميق الصراع الداخلي في الولايات المتحدة؟
- إلى أي حد يمكن أن تؤدي التداعيات السلبية المترتبة على محاكمة ترامب إلى النيل من مكانة الجمهوريين؟
أسئلة صعبة أمام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فرصة ربما لن يجد مثلها للدفاع عن نفسه وكسب المعركة أمام الرأي العام خلال إلقائه «خطاب حالة الاتحاد»، وهو خطاب سنوي يلقيه كل رئيس أمريكي سنوياً أمام الكونجرس في ذات الموعد.
نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب، العدو اللدود لترامب، اضطرت إلى توجيه الدعوة إليه لإلقاء هذا الخطاب، لأنها لا تملك حق عدم توجيه هذه الدعوة، التي، إن نجح ترامب في استغلالها، يمكن أن يقلب الطاولة رأساً على عقب على الديمقراطيين، ويحفز مجلس الشيوخ بأغلبيته الجمهورية للتصويت لمصلحته وحسم إجابة الكثير من التساؤلات الصعبة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"