جاء دور الأغوار

03:44 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

إعلان رئيس الوزراء «الإسرائيلي» اليميني المتطرف، بنيامين نتنياهو، عزمه على ضم غور الأردن، لا يشكل في الواقع أي جديد بالنسبة للسياسة التوسعية العدوانية التي تنتهجها الطغمة السياسية والعسكرية الحاكمة في «إسرائيل»، بل يأتي منسجماً مع الفلسفة الصهيونية التي قامت على أساسها «الدولة العبرية» على أنقاض الوطن والمجتمع الفلسطينيين.
كما أنه يأتي منسجماً مع خطة التسوية التي تطرحها الولايات المتحدة، تماماً مثلما أعلن نتنياهو في سياق تصريحاته حول ضم غور الأردن.
فكل من السياستين الأمريكية و«الإسرائيلية»، تتفقان على إنكار الحقوق السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني، وبالتالي فإن إعلان نتنياهو الجديد لا يغير من الواقع شيئاً، باعتبار أن فلسطين بالكامل محتلة، وأن الشعب الفلسطيني رازح تحت احتلال هو الأخير في العالم.
لكن من المهم أن نتفهم الأهمية الجيوسياسية لمنطقة غور الأردن، إذا أردنا تفسير الموقف «الإسرائيلي»، سواء كان جزءاً من الحملة الانتخابية لنتنياهو أم لا، فماذا يعني ضم هذه المنطقة المحتلة إلى «إسرائيل»؟
من المعروف أن غور الأردن هو المنطقة الحدودية الفاصلة بين الضفة الغربية والأردن، أي أنها تمثل حدود الأردن مع الدولة الفلسطينية، بحسب الاتفاقات الموقعة بين «إسرائيل» ومنظمة التحرير، التي قبلت بالضفة الغربية المحتلة وغزة، أي ما يعادل نحو عشرين بالمئة من مساحة فلسطين التاريخية، لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة عليها، رغم ما يمثله ذلك من إجحاف بحق الشعب الفلسطيني، كما أن هذه المنطقة عبارة عن سهول خصبة، وهي تغطي ما مساحته 30% من أراضي الضفة الغربية، ناهيك عن أنها تمثل عملياً السلة الغذائية للضفة الغربية، بسبب طبيعتها الزراعية وأراضيها الخصبة، ومصادر المياه الموجودة فيها.
وخلال احتلالها، عمد جيش الاحتلال «الإسرائيلي»، إلى التضييق على المواطنين الفلسطينيين في الأغوار، ومحاولات إبعادهم عنها عبر العديد من السبل والوسائل، لا سيما أن عشرات الآلاف من المواطنين الفلسطينيين يقيمون في المنطقة، التي غزاها نحو عشرة آلاف مستوطن يهودي أو يزيد، من خلال إقامة مستوطنات عشوائية، تقوم سلطات الاحتلال بشرعنتها فيما بعد، تماماً كما فعل نتنياهو قبل أيام باعترافه بمستوطنة عشوائية في الضفة الغربية المحتلة، قبل يومين من الانتخابات العامة، في خطوة عدّها الفلسطينيون «إنهاءً لمسار السلام»، داعين المجتمع الدولي للتدخل فوراً لوقف ذلك الجنون «الإسرائيلي».
زد على ذلك، أن عقد الحكومة «الإسرائيلية» جلسة لها في غور الأردن، بعد تلك التصريحات الاستفزازية، التي أطلقها نتنياهو بشأن مدينة الخليل الفلسطينية المحتلة، التي أعلن خلالها أن «الإسرائيليين سيبقون فيها إلى الأبد» على حد تعبيره، يعني أن الحكومة «الإسرائيلية»، تنسحب كلياً من «عملية السلام» التي باتت أشبه بنكتة ممجوجة، يرددها اللاهثون وراء سراب التسوية مع الاحتلال، إذ يبدو من المهم السؤال عما سيفاوض الفلسطينيون، بعد كل هذه الخطوات «الإسرائيلية» العنصرية التوسعية، التي تجري بمباركة وتشجيع من الإدارة الأمريكية.
ففي جلستها التي عقدت في غور الأردن، وافقت هذه الحكومة على تحويل المستوطنة العشوائية «ميفوت يريحو» في غور الأردن إلى مستوطنة رسمية، كتأكيد على جدية نتنياهو بضم منطقة الأغوار إلى «إسرائيل» في حال فوزه في الانتخابات «الإسرائيلية»، وذلك بالتنسيق مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي من المتوقع أن يعلن بعد الانتخابات عن خطته المرتقبة (صفقة القرن) لحل النزاع «الإسرائيلي» الفلسطيني، ما يعني عملياً إلغاء فكرة إنهاء الاحتلال «الإسرائيلي» للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وإقامة الدولة الفلسطينية، وهما من أبرز أسس عملية السلام التي وافقت عليها منظمة التحرير الفلسطينية عبر اتفاقات أوسلو في العام 1993.
ومن يتابع مجريات الأحداث في الأراضي الفلسطينية، ولا سيما بعد هذا الاتفاق، يدرك من دون عناء، أن «إسرائيل» لم ولن تقبل يوماً بفلسفة السلام، ومستحقاتها المختلفة، وأنها تسعى فقط إلى قضم واحتلال المزيد من الأراضي العربية، وتحويل حلم الدولة الفلسطينية إلى مجرد شعار أو لافتة تجري حولها مفاوضات عبثية لا طائل منها، قد تنتهي بإعطاء الفلسطينيين، بعض المعازل العنصرية، بلا أي معنى من معاني السيادة الحقيقية.
وعلى الرغم من الانتقادات اللفظية التي عودتنا عليها السلطة الفلسطينية، عبر بيانات الشجب والاستنكار المتشابهة، والمواقف الإقليمية والدولية الخجولة، فإن ما يجب التذكير به هنا، هو أن السياسات العدوانية التوسعية «الإسرائيلية»، لا يمكن أن تحد منها البيانات وكلمات الخطابة الرنانة، وإنما تحتاج إلى مواقف جدية من القيادة الفلسطينية أولاً، تضع العالم أمام مسؤوليته الحقيقية في عملية التسوية، أو تعلن صراحة موت هذه العملية، وتترك السبيل للأجيال اللاحقة أن تستكمل الصراع كما تشاء، وإلا فإن الاستمرار بهذه المسرحية العبثية، لن يدمر فرص السلام وحسب، بل ويقضي على القضية الفلسطينية، التي قدم لها الشعب الفلسطيني مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والأسرى على مدى عقود الصراع الطويلة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"