متى ينتهي «الاستثناء» البريطاني؟

03:24 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. غسان العزي

منذ دخولها في «المجموعة الاقتصادية الأوروبية»، في العام 1973، مروراً بالاتحاد الأوروبي، وصولاً إلى «البريكست» شكلت بريطانيا حالة استثنائية لجهة سياساتها المعارضة والمشاكسة والساعية دوماً إلى الحصول على إعفاءات واستثناءات في مقابل البقاء في البناء الأوروبي الموحد. وللتذكير ففي العامين ١٩٦٣ و١٩٦٧، وضع الرئيس الفرنسي الجنرال ديغول الفيتو على طلب دخول لندن في المجموعة الاقتصادية واستمر في رفضه هذا محذراً من أن دخولها المجموعة «سيعني أن الأوروبيين يوافقون سلفاً على كل الخدع والمناورات التي تنزع إلى تدمير بناء تم تشييده بالجهد والتعب وسط الكثير من الآمال» كما صرح في ٢٧ نوفمبر/ تشرين الثاني ١٩٦٧. وبعد خروج ديغول من السلطة وافق الرئيس بومبيدو على الطلب البريطاني وقامت لندن بتنظيم استفتاء شعبي في العام 1973، جاءت نتيجته أكثر من 62٪ لمصلحة دخولها في المجموعة الاقتصادية الأوروبية.
رغم ذلك وقفت لندن على الدوام في وجه كل المحاولات الاندماجية الأوروبية، في المجالات الاجتماعية والتشريعية والسياسية. فقد اعتبرت مرجريت تاتشر، كما عبرت علانية في غير مناسبة، بأن أوروبا ليست سوى سوق مشترك كبير وحسب، وتمكنت من إعاقة عمل المجموعة بهدف الحصول منها على تخفيض لمساهمة لندن في ميزانية المجموعة وهذا ما حصلت عليه في العام ١٩٨٤، ثم أخذت تعارض كل التشريعات الضريبية والمالية والاجتماعية الواردة في «القانون الموحد» الموقع في العام ١٩٨٧. ثم تمكن خليفتها جون ميجور من الاستحواذ على سلسلة من الإعفاءات (المجالات الاجتماعية، العملة الموحدة..الخ.) وحذا حذوه رؤساء الوزراء الذين خلفوه (شينغن، الأمن الداخلي، الهجرة، اللجوء.الخ) وفي هذا الوقت كان البريطانيون يعملون على كبح ما لم يستطيعوا وقفه في مجالات الدفاع والسياسة الخارجية وزيادة الميزانية والتشريعات المالية.
واليوم حتى في طريقة الخروج من الاتحاد بموجب المادة خمسين من معاهدة لشبونة نجح البريطانيون في الحصول على «إعفاء» من التطبيق الصارم لهذه المادة. فقد حصلوا على تأجيل لخروجهم من الاتحاد والذي كان يفترض حصوله في ٢٩ مارس/ آذار الماضي إلى ١٢ أبريل/ نيسان، ثم حصلوا على تأجيل آخر بعد أن فشلت حكومة ماي في الحصول على موافقة برلمانية على الاتفاق الذي توصلت إليه مع بروكسل لتنظيم العلاقة الأوروبية-البريطانية بعد «البريكست». وليس من المعروف اليوم ما إذا كان البريطانيون سينجحون أم لا في الاتفاق فيما بينهم على طريقة الخروج من الاتحاد ضمن المهلة التي مددها لهم مجدداً هذا الأخير إلى نهاية أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
« لقد بلغ تعب الأوروبيين من لندن أقصاه، إلى درجة أن الأغلبية العظمى من شركائها صاروا جاهزين للقبول بخروجها من دون اتفاق. ويقول النائب الليبرالي الأوروبي آلان مسور إنه «في العمق ليست مفاوضات الرحيل التي لا نهاية لها سوى مختصر مفيد لأربعين عاماً في أوروبا: قدرة لا مثيل لها على لَي ذراع القواعد ورفض الامتثال للقوانين المشتركة وقدرة استثنائية على تصدير مشاكل لندن الداخلية إلى بروكسل. خروج لندن من الاتحاد كان ينبغي أن يحصل في ٢٩ مارس/ آذار الماضي وهو تاريخ اختارته بنفسها عندما نظمت الاستفتاء الشعبي على «البريكست» في ٢٣ يونيو/ حزيران ٢٠١٦، واليوم فإن أحداً لا يعلم متى ستخرج». ويضيف نائب أوروبي آخر: «لم تحترم لندن أياً من الشروط التي وضعها المجلس الأوروبي في ٢٢ مارس/ آذار الماضي لتمديد البريكست وليس هناك من سبب للتسامح معها ومنحها إعفاءً أو تأجيلاً جديداً». وبحسب آلان ماسور فالاتحاد الأوروبي احترم على الدوام المواعيد التي طرحها، من دخول السياسة الزراعية حيز التنفيذ في العام ١٩٦٢ إلى العملة الموحدة اليورو في العام ١٩٩٩ مروراً بالسوق المشتركة في العام ١٩٩٣.
والآن وقد بات مؤكداً بأن لندن ستكون في الاتحاد في الشهر المقبل فإنها سوف تنظم انتخابات برلمانية أوروبية. الاشتراكيون يأملون أن ينتخب البريطانيون في ٢٣ مايو/ أيار المقبل أكثر من عشرين نائباً عمالياً ما يسمح بقدر من التوازن مع المحافظين في البرلمان المقبل. لكن في المقابل هناك خطر في أن ينتخب البريطانيون نواباً «بريكستيين» متشددين سيكون لهم رأي في اختيار رؤساء اللجان في البرلمان المذكور ووزير الخارجية الأوروبية الذي سيخلف فريدريكا موغوريني وحتى فيمن سيحل محل ماريو دراغي حاكم المصرف المركزي الأوروبي. كما سيمكنهم التأثير في الميزانية الاتحادية للفترة ما بين ٢٠٢١ و٢٠٢٧ أو تشكيل أقليات معطلة تضع العصي في سياسات الاتحاد. باختصار فإن عمليات الابتزاز تصبح ممكنة و«سوف يكون علينا استيراد القمامة البريطانية» كما يقول آلان ماسور.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"