المبدعون.. ومعاناة الجوائز

00:07 صباحا
قراءة 3 دقائق
تتمثل القيمة الحقيقية للمبدع في تقدير مجتمعه لنتاجه وعطائه، ولا يتأتى ذلك إلا إذا أحدث عمله الإبداعي أثراً حقيقياً في الناس، وقدر المبدع الحقيقي أن يبقى دائماً رفيق المعاناة، ومن ثم السعي الدؤوب لبلوغ القمم العالية، وكلما وصل إلى بعض ما يطمح إليه يرنو إلى أبعد من الشمس، أملاً في أن يحصل على التقدير الذي يستحق، ولذلك، فإن الجوائز ما هي إلا محطات في حياة المبدعين ضمن أحلامهم، لكنها ليست المقياس الحقيقي لخلاصة التجربة، فهناك عظماء لم يحصدوا إلا الجحود والنكران والمعاناة التي قد تقوي عزيمتهم، وتزيد من إصرارهم على الإبداع، لذلك، تخلد أعمالهم في الذاكرة الإنسانية، وبعض الجوائز التي يطلقها بعض الأشخاص هي في اعتقادي جوائز للشخص الذي أطلقها، فاسمه هو الذي يتردد، وتُنسى معظم الأسماء التي حصلت على جائزته، وهذا ما ذكرته منذ سنوات في إحدى مقالاتي السابقة، فالجوائز من وجهة نظري ليست المقياس الذي يحدد معيار الإبداع، وعلى كل مبدع ألا يضع في ذهنه أنها دليل تفوقه وفخره، ويجب عليه عدم التوقف عند مثل هذه المحطات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
لدى العرب جوائز كثيرة أراها ذات قيمة كبيرة، ولذلك أتمنى أن تتواصل الجهود من أجل إيجاد وسيلة كبيرة لتكريم المبدع العربي توضع لها آلية، ويقيمها من لديهم الأمانة والمقدرة، وهنا، فلن يحتاج المبدع إلى اللهاث خلف جوائز ليس الإبداع هو هدفها الأول، وربما المستقبل يحمل لنا مفاجآت تشعل الذاكرة لتستعيد مجدها، حين تنبثق من تجربتنا العميقة الممتدة في جذور الحضارة جائزة عربية غير مستنسخة في إطار عالمي، تمتلك روح الحياد وتصب في مصلحة المبدعين وتؤطر للتفرد.
هذه الجائزة التي هي في علم الغيب، لن تأتي من فراغ، لأنها في رأيي ربما تكون لها السمعة المشرفة والحيادية المطلقة لتعيد ترتيب مسار الجوائز، وتحقق المرجو منها، خصوصاً أن هناك الكثير على أرض الواقع من يبلغ بهم التفرد المدى في العلوم المختلفة والآداب المتمايزة، ولعل الشعور بالتجاهل، هو الذي جعل الكثير من المبدعين يعيشون درجات من الإحباط حين يجد بعضهم أن السفه بلغ بمنصات الجوائز ما بلغ، وينعون حظهم ويشعرون بغربتهم، في عالم تحكمه الصراعات الأيديولوجية والنزعات العرقية والطائفية.
لذا، فإنني على قناعة بأن المبدع الحقيقي، هو في حد ذاته جائزة الوجود، وهو يهدي للإنسانية رحيق التجربة، لكن ماذا نفعل حيال سنة الحياة التي وزعت هذه الجوائز بطريقة غير عادلة؟ فالإنسان في كل زمان ومكان لايزال يعيش وفق حسابات لا علاقة لها بالإبداع ومدى تقدير المحسن إلا ما رحم ربي، وهو ما يتطلب التفكير من جديد من أجل البحث عن سبيل لتحرير الجوائز من الهوى الشخصي، ولن يكون ذلك إلا بوجود جوائز مضادة، تتحرى الأمانة العلمية وتتخذ منهجاً واضحاً ومسلكاً جاداً، فكم من المبدعين الذين عاشوا وماتوا ولم يتم الاعتراف بهم وتكريمهم إلا بعد رحيلهم، وهذا عين الغبن، فالمرء إذا لم يجد التكريم الحقيقي في حياته وهو حي يرزق، فإنه يموت كمداً وينعى نفسه في ساحة الوجود.
مازلت ومازال غيري ينتظر تلك اللحظة التي تنطلق فيها جائزة عربية جامعة، تتوافر لها كل السبل العالمية لتحتفي بالإنتاج الثقافي والعلمي والإنساني والإبداعي، بحيث تكون في جميع المجالات، وتصبح هي الركيزة المضادة للعبث في دنيا الجوائز الحائرة التي لا ندري إلى من توجه وكيف توجه على استحياء.

محمد عبدالله البريكي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"