منهج التدمير الذاتي

03:06 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

على الرغم من أن ما تشهده معظم الدول العربية، من حروب وصراعات، ليس حكراً على العرب، وإنما هناك شعوب أخرى عانت أو تعاني الظروف نفسها التي نعيشها، إلا أنه من باب الخصوصية، التي لابد من فهمها، أن نتساءل عن السبب الذي قاد بلادنا العربية ، إلى ما هي عليه الآن من تمزق وفوضى، حيث يبدو القتل وتدمير الذات أحد أبرز المشاهد وضوحاً في عالمنا العربي، ولكن السؤال المطروح هو: ما سبب هذه الحروب المزمنة التي ابتليت بها منطقتنا؟
يحاول البعض مع الأسف تصوير، ما يجري في بلادنا بأنه ناتج عن كراهية الآخرين لنا، بل ويحاول البعض الزج بالدين الإسلامي في هذه المعضلة، التي فرخت مئات الحروب في هذه المنطقة عبر التاريخ، لكن أي قارئ جيد للتاريخ، يستطيع اكتشاف أن منطقة الشرق الأوسط ، كما يسميها البعض، كانت
ولا تزال محط اهتمام القوى العالمية الكبرى، باعتبارها الطريق التجاري الأهم الذي يربط الشرق بالغرب. فقبل اكتشاف الثروة النفطية، التي يعزو البعض الحروب بسببها، كان هناك طريق الحرير التجاري الأهم، الذي سعت الدول الاستعمارية إلى إبقائه تحت سيطرتها، أو على الأقل عدم السماح بظهور قوى كبيرة، تتحكم في مصير التجارة العالمية، عبر ما يعرف بطريق الحرير، حيث أنه بمجرد تنامي المساحة الجغرافية للدولة الإسلامية، واقترابها من السيطرة على خطوط التجارة العالمية، بدأت التحالفات الاستعمارية على العرب، ليس لأسباب دينية، كما يحاول البعض ترويجه، وإنما لأسباب اقتصادية بحتة، ولا سيما بعد قطع خطوط التجارة العالمية كلها تقريباً بعد سيطرة الدولة الإسلامية عليها.
ونلاحظ كيف أنه منذ ذلك الحين كانت المنطقة تتعرض لغزوات استعمارية متلاحقة، كان الهدف الرئيسي منها هو منع ظهور أي قوة قادرة على الإمساك بخطوط التجارة العالمية، أو مصادر الطاقة، سواء العرب أو روسيا وغيرها من القوى التي ظهرت في المنطقة.
ولتمرير هذه الأهداف وتنفيذها كان من الطبيعي أن تلجأ القوى الاستعمارية الغربية إلى تفتيت المنطقة، ومحاولة تقسيمها وزرع البذور الطائفية، التي تشكل وقود الصراعات الداخلية فيها، بالإضافة الى إقامة حدود مصطنعة تقسم المنطقة، كما هو الحال في اتفاقية سايكس- بيكو المعروفة.
وإمعاناً في التقسيم وزرع بذور الشقاق بين العرب، راحت المجتمعات العربية تتعرض لهجمات سياسية وإعلامية وثقافية، لتكريس التقسيم السياسي، وتفتيت فكرة التضامن العربي، والهوية العربية، بل وحتى المقومات الأساسية للمؤسسات الاجتماعية، وتدمير المكونات الإثنية ،التي شكلت على مدى التاريخ الصفة الاجتماعية البارزة في بلادنا، عبر تصنيع شبكات الإرهاب والتطرف، والمنظمات الإرهابية المختلفة كالقاعدة و»داعش» وغيرها من التنظيمات التي لا يشك أحد في أنها صنعت في أقبية الاستخبارات الغربية و»الإسرائيلية» ، بهدف تمزيق النسيج الاجتماعي والوطني الجامع في الدول العربية، وإبقاء هذه المنطقة، كجزر متنافرة ضعيفة، وغير قادرة على التأثير في مجريات الأحداث العالمية، بسبب ما تعانيه من أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية. أو ما يمكن أن نطلق عليه الغزو الثقافي الغربي للمنطقة، والذي قاد في نهاية المطاف، إلى اهتزاز الكثير من القيم الاجتماعية وحتى الأخلاقية، وصولا إلى المفاهيم الوطنية والسياسية.
ولذلك، يمكننا القول إن ما يجري في بلادنا الآن من صراعات، لا يمكن اعتباره، أحداثاً منقطعة عن التاريخ، وإنما استمرار لصراعات قديمة، ومنافسة استعمارية مستمرة، للسيطرة على مقدرات المنطقة، أولاً، ومنع قيام أي قوة إقليمية قادرة على التأثير في اقتصاديات الغرب الاستعماري ثانياً.
لكن المؤسف في المعادلة أن الدول الغربية، استطاعت استغلال التنظيمات الإرهابية التي صنعتها، لتجييش الشعوب وراء شعارات دينية أو طائفية حيث بتنا نشهد ما يمكن وصفه بمنهج التدمير الذاتي في بلادنا، التي تحولت إلى جزر متناحرة، تحارب بعضها البعض تحت يافطات كتبت وصممت في الدول الاستعمارية الغربية، بهدف الإبقاء على قوة العملاق الاقتصادي الغربي، المتحكم في مصائر الشعوب وثرواتها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"