نهاية تحالف

05:37 صباحا
قراءة 4 دقائق

يعود الوجود المادي لمنظمة حماس في دمشق إلى العام 1993 عندما فُتحت في العاصمة السورية مكاتب للفصائل الفلسطينية المناهضة لاتفاقات أوسلو . ولكن كان يجب انتظار العام 1999 حتى يتخذ مكتب حماس في دمشق بعداً سياسياً واستراتيجياً مهماً، لاسيما بعد إغلاق مكتب عمان، ويغدو مركز قيادة الجناح الخارجي للتنظيم الفلسطيني الإسلامي . هذا المكتب تولى إدارة العلاقات الخارجية للحركة والتمويلات المالية الآتية من فلسطينيي الدياسبورا وأولئك العاملين في بلدان النفط العربية، وهما مهمتان لا مجال لتأمينهما في ظل الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وغزة .

مع الوقت أسهمت الظروف في توكيد التحالف بين دمشق وحماس، لاسيما مع تراكم الدلائل على ابتعاد آفاق التسوية مع إسرائيل التي ترفض تقديم شيء في مقابل السلام . ومع انسحاب هذه الأخيرة، بفعل المقاومة، من جنوب لبنان في العام ،2000 ثم اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، في العام نفسه، قبل انسحاب إسرائيل من غزة في العام ،2005 ثم حرب يوليو/ تموز العام ،2006 تراكمت في المقابل الدلائل على صوابية خيار المقاومة المسلحة الذي شد عصب محور الممانعة في مقابل محور الاعتدال العربي المؤيد للتفاوض مع إسرائيل .

في العام 2000 توفي الرئيس حافظ الأسد، وتسلم ولده بشار السلطة في سوريا التي كانت تعاني عزلة دولية تفاقمت بسبب الموقف السوري من الحرب الأمريكية على العراق . ورأى الرئيس بشار في توثيق التحالف مع إيران وحزب الله وحماس خير وسيلة لكسر هذه العزلة، وهذا ما حصل في وجه العواصف الدولية التي هزت العقد الأول من القرن الجاري .

لكن مع نشوب الثورات الشعبية العربية، في بداية العام المنصرم، وهي ثورات تلقت تأييد محور الممانعة، فإن الأمور راحت تتخذ منحىً مختلفاً عندما طالت الثورة سوريا نفسها ابتداءً من مارس/آذار 2011 . فإذا كان حزب الله اللبناني قد أيد النظام السوري معتبراً أن ما يتعرض له مؤامرة خارجية تستهدف محور الممانعة أكثر منه ثورة شعبية، فإن موقف حماس شابَهُ الغموض، فحار بصدده المحللون ودارت حوله الأقاويل . في الأشهر الأولى للثورة أنكرت حماس الشائعات عن استعداداتها لمغادرة دمشق كما الأخبار القائلة بتعرضها لضغوط النظام السوري كي تتخذ مواقف علنية مناهضة لحلفاء إسلاميين لها (الشيخ يوسف القرضاوي على سبيل المثال)، ناصبوا النظام البعثي العداء . بدايةً نأت حماس بنفسها عن الأزمة السورية، فإذا ما تمكّن النظام من وأد الثورة وعاد إلى ما كان عليه من قوة واستقرار تكون قد أنقذت نفسها والفلسطينيين المقيمين في سوريا . لكن في انتظار جلاء الموقف لا مانع من الاستعداد لمرحلة ما بعد الأسد، وذلك على جبهات عديدة أبرزها الدفع في اتجاه إعادة الحرارة إلى العلاقات مع بعض الدول العربية مع تكثيف المفاوضات الهادفة إلى تحقيق المصالحة الفلسطينية . وهذا ما حصل بالفعل في مايو/أيار من العام المنصرم عندما اضطرت السلطة الفلسطينية وحماس إلى تلبية نداءات الشعب الفلسطيني المتأثر بموجة الثورات العربية والمطالب بتحقيق المصالحة . ومع الأردن عادت الحرارة إلى العلاقة المنقطعة منذ العام ،1999 ومع قطر ثمة قبول بأن تكون الدوحة ما كانت عليه دمشق في الأيام الخوالي رغم العائق الجغرافي، ومع مصر التي رفضت فتح مكتب لحماس على أراضيها، لا شك أن العلاقة ستكون أكثر من متميزة .

هذا لايعني القطيعة مع النظام السوري، لكن مع تفاقم الأزمة راح هذا الأخير يطالب حماس باتخاذ موقف علني مؤيد له رغم استمراره في ارتكاب المجازر ضد المدنيين الأبرياء، الأمر الذي لا يمكن لحماس التزام الصمت حياله والاستمرار في الموقف الرسمي العلني القائل إن ما يجري شأن داخلي سوري . وهكذا في الأيام الأخيرة من العام الماضي أعلنت بأن الدم السوري غالٍ . . . ويجب البحث عن مخرج سياسي للأزمة قبل أن يلتقي خالد مشعل بنبيل العربي الذي حمّله رسالة إلى دمشق تطالبها بالتعاون مع المراقبين العرب . لكن هذا الموقف، الوسطي والتوسطي، جعل حماس هدفاً لانتقادات المعارضة السورية، لاسيما الإخوان المسلمين، والسلطة الفلسطينية .

مع تزايد أعداد ضحايا بطش النظام وانتشار المجازر على الأرض السورية، لم تعد حماس قادرة على الوقوف في الوسط، فبدأت تخلي مكاتبها تدريجياً في دمشق، وبدأ قادتها الانسحاب بهدوء من هذه الأخيرة، قبل أن يعلن إسماعيل هنية، من جامع الأزهر في القاهرة، في فبراير/شباط ،2012 بأنه يقف إلى جانب الشعب السوري البطل الذي يفتح في بلده طريق الحرية والديمقراطية والإصلاح . بعدها أعلن موسى أبو مرزوق، الناطق باسم المكتب السياسي لحماس، أن هذه الأخيرة لن تعود إلى سوريا بسبب الأعمال البشعة التي يرتكبها النظام بحق معارضيه .

بالطبع أسهمت التغيرات العربية في إقناع حماس بالانتقال من محور الممانعة إلى معسكر الثورة . فالانتخابات التشريعية في تونس ومصر رفعت الإخوان المسلمين إلى السلطة، وهم في سوريا مرشحون للعب دور مهم في النظام الجديد . ولا تستطيع حماس، المنبثقة أصلاً من الإخوان المسلمين، إلا أن تكون منسجمة مع ذاتها ومع مصالحها .

هذا الابتعاد عن النظام السوري الذي أضحى مركباً يهم بالغرق، لا يعني بالضرورة قطيعة موازية مع إيران وحزب الله . فهذا الأخير، بعد أن قدم الكثير لحماس في السنوات المنصرمة، قد يحتاج إليها للعب دور توفيقي بينه وبين الإخوان السوريين في المرحلة المقبلة على قاعدة أن إسرائيل ستبقى عدواً مشتركاً في مرحلة ما بعد الثورات العربية، كما كانت عليه قبلها .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"