هل يذهب الانفتاح الأمريكي-الإيراني إلى خواتيمه؟

05:47 صباحا
قراءة 3 دقائق

فتح فوز حسن روحاني بالرئاسة الإيرانية منذ الدورة الأولى للانتخابات في يونيو/ حزيران الماضي، المجال للرهانات بأن العلاقة الإيرانية مع الغرب سوف تسير في طريق مختلف عما كانت عليه . فالمرشح روحاني خاض معركته الانتخابية على أساس الوعد بالتصدي للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن العقوبات الاقتصادية التي تفرضها واشنطن ومن ورائها المعسكر الغربي كله بل والأمم المتحدة في بعض الأحيان . هذه العقوبات، التي يتم تشديدها وتوسيعها بين الفينة والفينة، أضحت نتائجها لا تطاق على المستوى الشعبي حيث وصلت كل المؤشرات الاقتصادية مثل البطالة وسعر صرف العملة الإيرانية وأرقام العجز التجاري والتصدير، لاسيما النفط، وغيرها إلى مستويات خطيرة . وكأنما استعار المرشح روحاني شعاراً كان قد رفعه المرشح بيل كلينتون في حملته الرئاسية العام 1992 في وجه الرئيس جورج بوش المرشح لولاية ثانية : إنه الاقتصاد أيها الغبي . ركز روحاني على المشكلة الاقتصادية ووعد بالانفتاح والليونة في السياسة الخارجية، أي بالقطيعة مع عهد أحمدي نجاد، أملاً في رفع العقوبات، فانتخبه الشعب الإيراني منذ الدورة الأولى .

حظي روحاني بمباركة ورضا المرشد الأعلى خامنئي فتمكن من تشكيل حكومة كانت عبارة عن تسوية بين الجناحين المحافظ والإصلاحي ومع الحرس الثوري الذي طٌلبَ منه الانشغال بالاقتصاد الداخلي والابتعاد قليلاً عن السياسة، وتمكن من تعيين جواد ظريف وزيراً للخارجية وهو المعروف بميوله التقاربية مع الولايات المتحدة التي درس في جامعاتها قبل أن يشارك بمباحثات مع الأمريكيين إبان رئاستي رفسنجاني وخاتمي .

منذ وصوله إلى الرئاسة بدأ روحاني بإرسال الإشارات الإيجابية في اتجاه واشنطن مستفيداً من شبكات الاتصال الاجتماعية (تويتر، فيسبوك) وغيرها . وخلال أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة الأخيرة خطف موضوع التقارب الإيراني - الأمريكي الأضواء لما تخلله من خطابات انفتاحية ومن لقاء بين كيري وطريف ناهيك عن المكالمة الهاتفية الشهيرة بين أوباما وروحاني .

لقد بدا واضحاً أن الرئيسين الأمريكي والإيراني على حد سواء يستعجلان إنهاء القطيعة والشروع في التفاوض حول الملف النووي الإيراني . فطهران مستعجلة للحصول على الرفع التدريجي للعقوبات الاقتصادية . وقد حققت نجاحاً، ولو محدوداً، عندما أجل الكونغرس البحث في تشديد العقوبات كما كان مقرراً في الشهر المنصرم . ويبدو أن الرئيس أوباما، هو الآخر، يتوق إلى تحقيق إنجاز في السياسة الخارجية التي يتهمه خصومه بالضعف والميوعة فيها . وليس أهم من الملف النووي الإيراني الذي ينسحب النجاح فيه على كل الملفات الشرق-أوسطية المعقدة (العراق وسوريا ولبنان حيث حزب الله وسوريا والمفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية) .

لقد تضافرت لدى إيران أسباب داخلية اقتصادية واجتماعية وسياسية ناتجة عن الآثار الكارثية للعقوبات وخارجية (الإنهاك الذي يسببه الصراع السوري لإيران وحلفائها، تحول العراق من ذخر استراتيجي لطهران إلى عبء بسبب التفجيرات اليومية والأزمة السياسية على خلفية خلافات إقليمية عصية على الحل) للاتفاق، بجناحيها المتشدد والإصلاحي وتحت رعاية المرشد الأعلى على ما سموه بالليونة البطولية . وفي الولايات المتحدة تضافرت ظروف داخلية (الأزمة المالية وخلافات أوباما مع الجمهوريين) وخارجية (الرغبة في إعادة التموضع الدولي نحو آسيا -الباسيفيك بعد سلسلة الإخفاقات في الشرق الأوسط) كي تقرر الإدارة الأمريكية أن الملف الإيراني بات ناضجاً للمفاوضات بعد أن فعلت العقوبات فعلها .

لكن الأمور ليست بهذه البساطة . فإسرائيل تملك من النفوذ في واشنطن، عن طريق إيباك والكونغرس وغيرهما، ما يمكنها من تعطيل أو أقله فرملة الاندفاعة التقاربية مع إيران . وقد نجح نتنياهو، بعد لقائه المطول مع أوباما، في دفع هذا الأخير للتصريح بأن كل الخيارات، بما فيها العسكري، لا تزال مطروحة على الطاولة حيال إيران التي عليها أن تترجم أقوالها إلى أفعال . ولم يطل رد خامنئي الذي اعتبر أن بعض الأشياء التي حدثت في نيويورك لم تكن ملائمة (يقصد المكالمة الهاتفية بين أوباما وروحاني) .

لا يمكن للانفتاح الإيراني-الأمريكي أن يصل إلى خواتيمه من دون أخذ مصالح روسيا ودول إقليمية عديدة بعين الاعتبار . ومن الصعب فصل الملف النووي الإيراني عن الملفات الإقليمية التي تملك إيران فيها بعضاً أو كثيراً من نفوذ تتقاسمه مع دول أخرى تريد هي الأخرى حصتها من كعكة التسوية . وبالتالي فإن المفاوضين سوف يجدون على طاولتهم شبكة من الملفات التي يصعب فصل الواحد منها عن الآخر، ما يعني أن التسوية إما أن تكون رزمة متكاملة، وهذا أمر لم تنضج ظروفه بعد، وإما أن تبقى في حدود الملف النووي فتخطو خطوات قليلة قبل أن تعود إلى الجمود والانتظار .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"