تهديد الملاحة الدولية يمس أمن الإقليم

04:28 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

لم يعد تهديد الملاحة البحرية الدولية في البحر الأحمر مجرد احتمال، وذلك بعد أن قرنت الميليشيات الحوثية تهديداتها الكلامية باعتداء فعلي استهدف ناقلتَي نفط سعوديتين الأربعاء الماضي 25 يوليو/‏تموز الجاري، وذلك في محاولة لتوسيع الحرب على الشرعية اليمنية والسيطرة على المياه الإقليمية وتهديد جيران اليمن. وكانت الميليشيات الانقلابية قد عمدت إلى زرع ما لا يحصى من ألغام بحرية على الساحل الغربي لليمن، وقد بدا لافتاً أن العدوان الحوثي حظي بتبنٍ لافتٍ من الطرف الإيراني، حيث تسابق كل من رئيس الجمهورية «المعتدل» وقائد فيلق القدس «المتشدد» في إطلاق التهديدات حول سيطرة إيرانية على البحر الأحمر، وقد شملت التهديدات كل من يعنيهم أمر الملاحة الدولية في العالم. وهو تطور يثبت مجدداً أن التعديات الحوثية تتم بتنسيق مع طهران وحتى بائتمار بأوامرها، وهو ما يفسر الحماسة الإيرانية في تبني استهداف الناقلتين السعوديتين، وذلك كجزء من حرب واسعة متعددة الحلقات لتطويع دول المنطقة. وغني عن القول هنا أن هذه التهديدات التي باتت ملموسة تهدد السلامة البحرية والاقتصاد العالمي، حيث تمر النسبة الأكبر من ناقلات النفط عبر مضيق باب المندب.
وأمام التهديدات الجديدة فإنه ليس مطلوباً على أي وجه تدخل طرف معادٍ لدول المنطقة، بل أن تجتمع إرادة أطراف إقليمية، عربية في الأساس، مع جهد دولي لممارسة أكبر الضغوط الممكنة على الطرف الإيراني، وألا تتسبب الخلافات الأوروبية-الأمريكية حول الموقف من الاتفاق النووي الغربي-الإيراني، في تغذية مالية واقتصادية أوروبية للنظام الإيراني عبر عودة استثمارات الشركات الأوروبية الكبيرة في هذا البلد.
ويأتي في هذا الإطار التوجه نحو مقاطعة دولية لمشتريات النفط الإيراني وفي مهلة تنتهي في الرابع من نوفمبر/‏تشرين الثاني المقبل وهي خطوة «راديكالية» يؤمل أن يصار إلى تنفيذها أولاً، وأن تكون هذه المقاطعة مؤقتة ومرهونة بتراجع فعلي في الملفات الشائكة والحيوية وهي: القدرات النووية، والتدخلات في الإقليم، ووقف تطوير الصواريخ البعيدة المدى لدولة غير مسالمة.
ولا شك في أن طهران تؤثر مواجهة عسكرية محدودة يمكن استثمارها في الدعاية السياسية، على أن تخضع لعقوبات تلحق الشلل بصادراتها النفطية، في وقت لا تتوقف فيه الاحتجاجات في هذا البلد، وتشهد العملة المحلية انهياراً لا سابق له يضعف إلى حد بعيد دورة الحياة الاقتصادية، فإذا ما تعرض المورد الأول للخزينة إلى الشلل فإن ذلك سوف يشكل انعطافة قاسية في حياة البلاد تؤدي إلى أن يدفع الفريق الحاكم لا الشعب فقط، ثمناً للسياسات المغامرة والاستهانة بسيادة دول في الإقليم والسعي المحموم إلى تمزيق مجتمعاتها.
وإذا كانت الأطراف العربية المعنية قد بقيت بعيدة خلال سنوات عن مجرى التفاوض حول الاتفاق النووي، فإن أية تطورات لاحقة حول الملف الإيراني، لا بد أن تشهد مشاركة أطراف عربية أساسية من أجل كبح فعلي ونهائي للجموح الإيراني، والحؤول دون انغماس المجتمع الدولي في مفاوضات مديدة جديدة، مفترضة أو محتملة، تحتفظ فيها إيران بنزعتها التدخلية وبتغذية الميليشيات هنا وهناك.
وواقع الأمر أن طهران تحاول دفع المجتمع الدولي للتطبيع مع نزعتها العدوانية والتدخلية والتعايش مع هذه النزعة بصورة أو بأخرى وتحت يافطة أن إيران دولة إقليمية مهمة تمارس دوراً في مكافحة الإرهاب، ولا بأس من غض النظر عن بعض الشطط في سلوكها هنا وهناك! وهو ما يفسر تصريحات للمستشار علي لاريجاني أطلقها مؤخراً في موسكو عن الاستعداد لوضع كل الملفات على الطاولة، والمقصود بالطبع طاولة تفاوض مفترض، رغم ما تحمله هذه التصريحات من بعض تراجع حول رفض طهران بحث مسألة تدخلاتها في المنطقة باعتبارها حقاً مكتسبا!.
وعليه فإنه من حق الدول العربية المعنية أن تكون على صلة وثيقة ومباشرة بأية تطورات مقبلة بعد أن باتت التهديدات الإيرانية عبر وكلائها وأذرعها، تمس أمن هذه الدول وسلامتها بطريقة مباشرة يستحيل التغاضي عنها أو الوقوف حيالها موقف المراقب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"