حرب تكنولوجية باردة بين أمريكا والصين

02:48 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

تمكنت الصين في العقدين الأخيرين من سد فجوات عدة بينها وبين الولايات المتحدة والغرب، خصوصاً أن موجة العولمة الثالثة فرضت سياقات وأدوات جديدة في الصراعات العالمية؛ حيث أصبح التنافس في مجال تكنولوجيا المعلومات مُحدداً رئيسياً في العلاقة التنافسية بين اللاعبين الكبار في ساحة تقسيم العمل الدولي، فالتطور العولمي يطرح مزيداً من الفرص والمخاطر، ويستدعي المزيد من الاستثمار العلمي والبحثي والمالي.
والمعادلة التي طرحتها الشركات البرمجية الأمريكية (شركات وادي السيلكون) في عقد التسعينات من القرن الماضي، تتمثل في الهيمنة من قبلها على النطاق العالمي للبرمجيات، وترك مساحة مهمة من سوق الصناعات التكنولوجية الكبيرة لدول أخرى، مثل الصين، في محاولة للإبقاء على توازنات سوق العمل الدولي، والمحافظة على أوسع قدر ممكن من حرية الأسواق، ضمن نظام رأسمالي بدأ يكتسب مواصفات جديدة، تحتاج إلى أكبر قدر من التعاون في تنظيم الأسواق، خصوصاً أن انهيار الاتحاد السوفييتي، وانتهاء الحرب الباردة، فتحا أسواقاً جديدة في أوروبا وآسيا، تمثلت تلك الأسواق، في الدول التي كانت منضوية في ما كان يعرف ب«الكتلة الشرقية».
وترافق الاندفاع الأمريكي العولمي في مجال البرمجيات مع سياسات أمريكية لا تقل اندفاعاً، في محاولة من قبل واشنطن لتأكيد هيمنتها الأحادية على العالم، ما تطلب إرسال قواتها إلى أفغانستان والعراق، في الوقت الذي استمرت فيه الصين بسياساتها المحايدة تجاه القضايا المختلفة، وهو ما سمح لها بتقليل نفقاتها المالية في المجال العسكري، والعمل على اختراق أسواق مختلفة في العالم، مع الاستمرار في سياسة خفض أسعار المنتجات، في ظل مركزية عالية للدولة في اتخاذ القرارات، ضمن إطار النظام الصيني، الذي تتخذ فيه القرارات السياسية والاقتصادية في دوائر صنع القرار السياسي، على خلاف النظام الغربي؛ حيث تمتلك الأسواق حرية كبيرة في تحديد الاتجاه الاقتصادي.
الصين التي قبلت ظاهرياً بمعادلة التسعينات من القرن الماضي، عملت بشكل كبير على تطوير البنية التحتية لنظم المعلومات، واستثمرت مالياً وبحثياً لمنافسة الخطط الأمريكية في مجال البرمجيات، وامتلكت بمرور الوقت إمكانات تنافسية هائلة، حتى أنها أصبحت تشكل خطراً فعلياً على الصناعة الأمريكية في مجال البرمجيات والمعلومات، ومن ضمنها إمكانية الاختراق للنظم المعلوماتية العالمية، ما يشكل تهديداً للأمن القومي للولايات المتحدة والغرب ودول عدة تعتمد على البرمجيات الأمريكية.
وفي عام 1998، أعلنت الحكومة الصينية عن إنشاء وزارة صناعة المعلومات، والتي أنيطت بها مهام عدة في إطار تطوير صناعة تكنولوجيا المعلومات، وانصب جزء كبير من عملها على ربط صناعة التكنولوجيا التقليدية بصناعة المعلومات، بهدف تطوير إمكانات الصناعات التكنولوجية من جهة، وخفض أسعار المنتجات التكنولوجية من جهة أخرى، ما يسمح للصين بالمنافسة العالمية، في أسواق كانت تعد تقليدياً حكراً على الولايات المتحدة والغرب، وبالفعل فقد تمكنت الصين بعد عام واحد من إنشاء الوزارة من تحقيق عوائد مالية ضخمة، وصلت إلى 39 مليار دولار، من قيمة الصادرات الصينية في عام 1999.
ويكشف الصراع الأمريكي الغربي الراهن مع شركة «هواوي» الصينية عن حجم المخاوف من سيطرة هذه الشركة، ومن ورائها النظام السياسي الصيني، على الأسواق العالمية، وبالتالي الهيمنة السياسية، وتغيير اتجاهات السياسة الدولية؛ حيث اعتبرت الولايات المتحدة شركة «هواوي» خطراً وجودياً، ومنعت الشركات الأمريكية من التعامل معها، كما تقود حملة لإقناع دول الاتحاد الأوروبي بعدم التعاون المعلوماتي والتكنولوجي مع «هواوي» التي تنافس على صدارة الجيل الخامس من الإنترنت.
وشبّه محللون كثر الحرب الدائرة على تكنولوجيا المعلومات بين الولايات المتحدة والصين ب«الحرب الباردة»؛ حيث تعيد هذه الحرب تشكيل الاصطفافات السياسية والاقتصادية في العالم، والتي تتضمن أيضاً جملة من الصراعات، من بينها صراع المنظومات القيمية والثقافية، فقد بُني التحالف الاستراتيجي الأمريكي الغربي، بعد الحرب العالمية الثانية، على أسس عدة، منها قيم المنظومة الليبرالية المشتركة بين الجانبين.
ولم تكتفِ الصين باحتلال موقع متقدم في مجال التكنولوجيا التقليدية وتكنولوجيا المعلومات، لكنها تطمح أيضاً، وعبر مشروعها «طريق الحرير»، إلى ربط مباشر لأسواقها بأسواق العالم في أوروبا وآسيا وإفريقيا، وهو ما يجعل المواجهة بينها وبين الولايات المتحدة والغرب أمراً شبه حتمي، وهو صراع سيرسم ملامح السنوات المقبلة في السياسات والعلاقات الدولية؛ حيث ستسعى العديد من الدول إلى اللعب على تناقضات هذه المواجهة، من أجل اكتساب مساحة مناورة وهامش أكبر للاستقلالية، بعيداً عن الاصطفافات المغلقة والنهائية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"