هل بدأ إهدار الانتصار؟

03:04 صباحا
قراءة دقيقتين
طوال العدوان على غزة، كانت بوادر الانتصار الفلسطيني تبدو جلية في الأفق: صمود في الإرادة السياسية رغم فداحة الخسائر، وانهيار مجتمعي "إسرائيلي" رغم ضآلة الخسائر، أداء ممتاز من فصائل المقاومة الفلسطينية أدهش العدو قبل الصديق، مقابل تعثر "إسرائيلي" وعجز عن إنجاز أي هدف عسكري سوى القتل والتدمير . تماسك بين الفصائل التي تشكل منها وفد المفاوضات السياسية، في مقابل شرخ بين المجتمع المدني وقيادته السياسية في "إسرائيل" .
لكن ما إن هدأت نار العدوان، حتى بدأت تظهر في الجانب الفلسطيني بوادر مناقضة تماماً لما كان سائداً طوال فترة العدوان، فبدأ كل فريق سياسي يحاول ادعاء النصر له، وللمحور السياسي الإقليمي الذي ينتمي إليه، مع أن شعب فلسطين كان صاحب الانتصار الوحيد .
ومع أن السلبيات التي انعكست على الجانب "الإسرائيلي" ما زالت على حالها، وما زال منتظراً ظهور آثارها بعيدة المدى في المواجهة الاستراتيجية التي تخوضها "إسرائيل" لتثبيت احتلالها، إلا أن النتائج العملية، بسبب التحول الغريب على مستوى القيادات الفلسطينية، يكاد يذهب بكل انعاكسات الانتصار على حصار غزة، وعلى القضية الفلسطينية برمتها:
1- بدأت "إسرائيل" تتنصل من تنفيذ ما اتفق عليه في الجولة الأولى من مفاوضات القاهرة، بما في ذلك فك الحصار، وفتح المعابر، والسماح بحرية الصيد لأهل غزة على مسافات بحرية طويلة . ذلك أن تصرف "إسرائيل" يبدو متجهاً إلى اعتبار كأن شيئاً لم يتم الاتفاق عليه في القاهرة .
2- يؤكد ذلك المخاوف على الإنجازات الفلسطينية المرتقبة في جولة المفاوضات الثانية، المفترضة بعد مرور شهر على توقف العدوان، والمتعلقة بإعادة افتتاح كل من الميناء والمطار في غزة .
فإذا كانت إنجازات المرحلة الأولى من المفاوضات التي تم التوقيع عليها في القاهرة بضمانة مصرية قد بدأت تتبخر بهذه السهولة، فإن ذلك يشير منذ الآن إلى تبديد الإنجازات المتوقعة في جولة المفاوضات الثانية .
3- إضافة إلى كل ذلك، فإن "إسرائيل" قد عمدت، رغم استفحال آثار العدوان في أوضاعها السياسية والمجتمعية الداخلية، إلى السيطرة على مساحات إضافية شاسعة من أراضي الضفة الغربية في بيت لحم، في اتجاه عملي إلى الاستمرار في استكمال عملية تهويد ما أمكن من أراضي الضفة الغربية .
هنا تبدو المقارنة مفزعة، المجتمع الذي انتصر بصموده أثناء العدوان صموداً بطولياً أسطورياً، تتجه قياداته السياسية إلى إهدار كل ما أنجز في المفاوضات السياسية الشاقة، في مقابل المجتمع الذي اهتز طوال مرحلة العدوان تحت ضربات صواريخ المقاومة، وأصبح يقضي نهاره وليله في الملاجئ المرفهة، تتحول قيادته السياسية كالوحش الكاسر، لتتصرف كأنها هي التي حققت الانتصار العسكري .
لقد أهدت جماهير غزة بصمودها البطولي وتلاحمها مع المقاومة، رغم سقوط ما يزيد على ألفي شهيد وعشرة آلاف جريح، ودمار كل منازل غزة وبنيتها التحتية، أهدت بصمودها رغم كل ذلك انتصاراً فريداً للقضية الفلسطينية، تكاد تهدره، إن لم تكن قد أهدرته بالفعل، القيادات السياسية لهذه الجماهير .
إنها مفارقة تستحق وقفة إعادة نظر في مجمل الحركة السياسية داخل الجماهير الفلسطينية، التي تستحق قيادات سياسية تليق بها وبتضحياتها، أكثر من ذلك .


إلياس سحّاب

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"