ملامح التريث والاندفاع إقليمياً

04:48 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

لا حرب ولا مواجهة واسعة في الأفق بين «إسرائيل» وميليشيات حزب الله، ولكن التوتر مستمر بين الجانبين، والذي تقوم تل أبيب بتصعيده بين آونة وأخرى. ويمثل التصعيد جزءاً من التحضيرات للانتخابات، بل جزءاً من الحملة الانتخابية لبنيامين نتنياهو. فالميليشيات كانت قد أعلنت من جهتها أنها تتمهل في الرد على اختراق طائرتين مسيرتين لأجواء بيروت وضاحيتها الجنوبية قبل نحو أسبوع ،ثم ترجمت هذا التمهل إلى رد قد يقلب الأوضاع رأسا على عقب.. علما ان النهج الإيراني يقوم على عدم الانزلاق إلى حرب مدمرة مع تل أبيب، مع منح بسط النفوذ والتمكين في المنطقة الأولوية القصوى، وهي السياسة المتبعة منذ عقد من الزمن على الأقل. علاوة على أن أي حرب واسعة سوف تنعكس على الوضع في سوريا، فيما الأولوية هناك هي لإنجاز الحسم العسكري الذي يشهد حلقاته الأخيرة، بالتعاون مع روسيا.
من جهة أخرى، فإن طهران التي خرجت بسلام من «معركة» الملاحة البحرية في الخليج مع واشنطن، تتطلع الآن إلى دور أوروبي، وفرنسي تحديداً بخصوص الاتفاق النووي قريباً، وليس ظهور وزير الخارجية محمد جواد ظريف على هامش قمة مجموعة السبع في فرنسا، بالأمر الفاقد الدلالة. فيما تتبادل كل من طهران وواشنطن وضع الشروط لتفاوض أو حوار بينهما. بل هناك أنباء عن وسطاء ينشطون بصمت بين الجانبين. والرهان الإيراني على دور فرنسي وألماني لتهدئة التوتر مع واشنطن، لا ينقطع.
وكان لافتاً قبل أيام أن واشنطن حذرت كلاً من لبنان والعراق من المساس بالأمن «الإسرائيلي». وقد نقل عن مسؤول في البيت الأبيض قوله إن الولايات المتحدة تدعم حق «إسرائيل» بالدفاع عن نفسها في وجه التهديدات الإيرانية. وقد جاء ذلك في معرض تبرير الهجمات «الإسرائيلية» على مواقع في لبنان والعراق مؤخراً. والرسالة أن واشنطن لن تكبح أي هجوم «إسرائيلي» واسع النطاق( في حال حدوثه)، بل ستؤيده.
وبينما تجنح واشنطن إلى إقصاء الخيارات العسكرية في سياستها الخارجية، إلا أنها تجد في الجموح «الإسرائيلي» ما يشبه ملء الفراغ، ومحافظة على الإيقاع.. إيقاع السطوة في الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي يميز عهد الرئيس دونالد ترامب عن عهد سلفه باراك أوباما، فالاثنان يتفقان على عدم الانغماس العسكري في الأزمات الإقليمية، لكن ترامب يُطلق يد تل أبيب بينما كانت إدارة أوباما تحاول تقييدها.
ومع الأخذ في الاعتبار الأزمة الاقتصادية التي تشهدها إيران بسبب العقوبات على تصدير النفط، وانعكاس ذلك على ميليشيات حزب الله، فإنه يصبح مفهوماً أن خروج الأمور عن السيطرة والاندفاع إلى مواجهة واسعة، سوف يُلحق أضراراً جسيمة تطال كل لبنان المأزوم بدوره اقتصادياً، ولا تقتصر على بيئة ميليشيات حزب الله.
غير أن الأمر منوط بالجانب الآخر، وليس بجانب واحد. فقد انتزعت تل أبيب موقفاً محايداً من روسيا في هجماتها على مواقع «إيرانية» في سوريا والعراق، وأخيراً في لبنان.
وعلى نطاق الوضع الإقليمي، فإن تل أبيب جاهزة للتصعيد إن بدت هناك ذرائع ما له، وذلك في أجواء التحضير لإعلان صفقة ترامب المسماة صفقة القرن. فالتصعيد يشيع مناخاً نفسياً بأن تل أبيب جاهزة للخيارات العسكرية مع دولة إقليمية كبيرة هي إيران، فما بالك مع أطراف أضعف، وأن على الآخرين ( الفلسطينيون هنا) أن يغتنموا الفرصة «السلمية» ولا يبددوها.
وهكذا سوف يواصل الجانب الإيراني التعبئة المعنوية والإعلامية التي دأب عليها، متفادياً تقديم أي ذرائع حتى لو من باب الدفاع عن النفس أمام الهجمات «الإسرائيلية» المتواترة، فيما تواصل تل أبيب حرية الحركة في الأجواء، وانتقاء أهداف معينة في كل مرة، بما يجعلها حرب استنزاف بطيئة وبالأقساط وبأقل كلفة ممكنة. فيما يتولى الجانب الأمريكي مواصلة فرض العقوبات الاقتصادية على إيران وعلى كيانات يُزعم بأن لها صلة بها. وهذه هي محددات الوضع الراهن وإلى إشعار آخر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"