أوهام الإرهاب في عصر الخوف

03:41 صباحا
قراءة 3 دقائق
يعتبر الصحفي الأمريكي ديفيد روثكوبف، رئيس تحرير مجلة «فورين بوليسي»، إحدى أشهر المجلات المتخصصة في الشؤون الخارجية، أن سنوات حكم الرئيسين الحالي، باراك أوباما، والسابق جورج بوش الابن، شكلت «عصر الخوف» في التاريخ الأمريكي المعاصر.
مصدر الخوف الذي يعنيه هو الإرهاب الذي سيطر على عقل ومشاعر الرأي العام، وانعكس بالتالي في القرارات والسياسات التي تبنتها القيادة منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وحتى الآن، وربما إلى أجل غير مسمى.
بقيت السياسة الخارجية طوال حكم بوش ثم أوباما أسيرة عقدة الخوف من الإرهاب. بل ظلت مجرد رد فعل لهذا الخطر، سواء كان حقيقياً أو وهمياً.
أسس بوش سياسته كرد فعل على هجمات سبتمبر. وأقام أوباما سياسته كرد فعل على سياسة بوش. لم يستطع أوباما أن يحرر السياسة الأمريكية من عقدة 11 سبتمبر/أيلول التي ظلت ومازالت مسيطرة على العقل الجمعي الأمريكي.
وجاءت مذبحة أورلاندو الأخيرة كمناسبة جديدة لترسيخ مشاعر الخوف من الإرهاب في نفوس الأمريكيين، وتعميق إحساسهم بأنهم مستهدفون، وبأن خطر الإرهاب يوشك أن يقضي عليهم في أي لحظة. وهناك من يتلقف دائماً تلك المآسي الإنسانية لتغذية هذه المشاعر، سعياً لمكاسب سياسية. أحد هؤلاء وأشهرهم حالياً هو دونالد ترامب المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الذي وفرت له المذبحة فرصة ذهبية لترويج البضاعة الوحيدة التي يجيد تسويقها، وهي صناعة الخوف وبث الكراهية.

استثمر هذا الملياردير فرصة الحادث الإرهابي ليعيد تقديم نفسه إلى الناخبين باعتباره الأقدر على حمايتهم. ولم ينس بالطبع تذكيرهم بأنه كان على حق، عندما دعا إلى منع دخول المسلمين الأراضي الأمريكية.
تصريحات ترامب المسكونة بالعنصرية والكراهية لم تكن مفاجئة على ضوء تاريخه الذاخر بتلك المواقف. ومن المفهوم بالطبع أنه يريد تحويل الانتخابات الرئاسية المقبلة إلى استفتاء على محاربة الإرهاب، وهي قضية يعتبر الجمهوريون دائماً أن لهم الغلبة فيها على أقرانهم الديمقراطيين.

مثل هذه المناورات السياسية تبدو مفهومة ومقبولة، لكن استثمار الحدث لإثارة مشاعر الخوف لدى المواطن العادي وإلصاق وصمة الإرهاب بجموع المسلمين، هو تصرف غير أخلاقي.
ما يفعله ترامب عن قصد، يفعله غيره من السياسيين والإعلاميين عن غير قصد في كثير من الأحيان. إذ إن تصريحاتهم ومواقفهم وكتاباتهم تسهم على نحو مباشر في تكريس القناعات المترسخة في نفوس المواطن الأمريكي، بوجود خطر إرهابي يتهدد حياته، مع أن الواقع يقول بغير ذلك تماماً.
ومن منظور إحصائي مجرد، فإن الموت برصاص الإرهابيين أو قنابلهم، ليس هو الخطر الأول الذي يواجهه الأمريكيون في حياتهم اليومية، رغم أن الخوف منه يفوق الخوف من أي مصدر آخر للموت في حياتهم.
ومقارنة أعداد ضحايا الإرهاب بأعداد القتلي نتيجة حوادث العنف المسلح، تكشف إلى أي حد يبالغ الأمريكيون في الإحساس بخطر الإرهاب. وإلى أي حد يبدو هذا الخطر ضئيلاً بالفعل. وفقاً لإحصائيات وزارة العدل ومجلس العلاقات الخارجية، فإنه في الفترة من 2001 إلى 2011 بلغ المتوسط السنوي لضحايا إطلاق النار 11385 قتيلاً.
بينما قتل في الفترة نفسها 517 فقط في عمليات ذات طابع إرهابي. وإذا استثنينا ضحايا هجمات سبتمبر 2001، يكون المعدل السنوي لضحايا الإرهاب هو 31 قتيلاً فقط. أي أن الإرهاب ليس ظاهرة.
يفسر هذا لماذا يجاهد الديمقراطيون لتقييد حيازة الأسلحة، وهي معركة خاسرة لأسباب تتعلق ب «لوبي» صناعة البنادق القوي، ومصالح الشركات التي تمول الحملات الانتخابية لأعضاء الكونجرس، بجانب تقاليد يتمسك بها المواطن الأمريكي، واعتزازه بحمل السلاح، لاسيما في الريف والجنوب. وما لم يتغير هذا الواقع سيظل الأمريكيون البسطاء يدفعون الثمن ثم يلوم السياسيون والإعلاميون الإرهاب بعد ذلك.

عاصم عبدالخالق
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"