ثقافة البحث عن المواهب الجديدة

00:13 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد عبدالله البريكي

من المؤلم ألا يجد صاحب الموهبة مكاناً يأوي إليه ليبث فيه مواجده، وينفث فيه ماء بوحه، ويعرض شعوره ويكتشف عن ماهية إبداعه، ويبرز من خلاله تجربته، وما يؤرق صاحب الموهبة تلك الأبواب المغلقة التي تجعله يهيم في غربة لا يشاركه فيها سواه، ومحاولته تلمس أي طريق يخرجه من نفق العزلة ليعيش مع غيره ويتبادل معهم الجمال، فالمواهب الجديدة بحاجة إلى من يفتح لها الأبواب والمنابر، وهذا لا يأتي إلا من خلال عملية تكاملية تتضافر فيها الجهود، وتتوفر لها سبل الدعم والاستمرار مع وجود همم صادقة ونفوس كبيرة تعمل على تقديم كل ما من شأنه اكتشاف مواهب حقيقية.

ما من شك في أن للمهرجانات دوراً مهماً في تقديم أسماء جديدة ولافتة تجدد دماء الإبداع وتواصل مسيرة الجمال، وما من شك كذلك في أن القائمين على التنظيم والاختيار تقع عليهم مسؤولية كبيرة وأمانة عظيمة تتمثل في البحث والتقصي بشتى الطرق، ومتابعة المشهد لاقتناص تجربة فذة تصنع الفرق والدهشة من خلال مشاركتها بفعالية وتعد إضافة جميلة وقيمة حقيقية للمهرجان الذي تشارك فيه، وقد أسهمت مهرجانات عربية كثيرة في ترسيخ بعض الأسماء وسطوع نجم بعض التجارب الحقيقية التي واصلت مسيرة النور وأقامت حفلات الإبداع من خلال الضوء الذي اكتسبته من تلك المهرجانات، ولا تزال إبداعات الكثير منهم تقيم بيننا وتتردد أعمالهم في مناسبات كثيرة ويسجل حضور أسمائهم في سجل المجد بأحرف من نور، لكن المهرجانات وعلى أهميتها هذه ليست هي التي أشعلت بمفردها ضوء المسيرة وشعلة الحضور الطاغي في المشهد.

إن ظهور بعض الأسماء لم يأت من مجرد مشاركة في مهرجان ما، فالمهرجانات في الغالب لا تقام إلا مرة في العام، ويشارك فيها عدد يتم اختياره من خلال فعاليات مستمرة وأنشطة متواصلة، وهو ما تقوم به مؤسسات كثيرة ومختلفة منوط بها تقديم أنشطة تخدم الثقافة والشعر، ومن ثم إيجاد منابر يمارس من خلالها المبدع الحقيقي هوايته، ويعرض تجربته ويحاول صعود السلم بتأن وصبر حتى يصل إلى مستوى يؤهله إلى الصعود على منابر تقدم له الوهج الذي يستحقه، فالمبدع الحقيقي هو ذلك المثابر المجتهد الذي يكسر حاجز العزلة، ويطرق أبوابا كثيرة، ويعمل بإخلاص وتواصل من أجل تسويق منتجه الإبداعي.

لذلك فإن على المؤسسات الثقافية والأندية الأدبية واتحادات الكتاب ودور النشر ووسائل الإعلام وغيرها استرجاع دورها الحقيقي في اكتشاف الطاقات المبدعة التي تحاول أن تشق طريقها بثبات، وأن تساهم في تعزيز دور الثقافة وتقديم وسائل الدعم كافة كي تكون مؤهلة في الإعلان عن نفسها ومن ثم تمثيل المشهد الأدبي الناضر، ورسم صورة بديعة عن واقع الحراك الذي خرجت منه هذه الطاقة المبدعة.

عند ذلك نصل إلى روافد جميلة للمهرجانات الكبرى تشارك فيها تجارب مختلفة تستطيع أن تحلق في سماء الأدب، وترسخ لوجودها التاريخي في ساحة تحكمها المصالح في كثير من الأحيان، وعلى الرغم من انحيازي الشخصي للمبدع، فإنني أيضاً أشفق على بعض المؤسسات التي ترعى المهرجانات، فهي تحتاج إلى تواصل حقيقي مع المبدعين، وأن تتضافر مؤسسات الشعر في كل الدول من أجل تقديم المواهب الجديدة والحقيقية حتى لا يكون تسليط الضوء من نصيب الأسماء المعروفة وتكرارها في كل محفل، كما أن الموهبة الشعرية نفسها عليها أن تقدم نفسها وتسعى إلى المسابقات والمؤسسات الثقافية، وربما يكون ذلك من العسير بعض الشيء، لكن أعتقد أن التآزر من أجل البحث عن المواهب الشعرية مسؤولية مشتركة تقع على الجميع.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"