مستقبل الإخوان

03:36 صباحا
قراءة 4 دقائق

بعد مراقبته لتاريخ الثورات في العالم خرج لينين بمعادلة باتت معروفة: الفلاسفة والمفكرون يحلمون بالثورة، والمناضلون يقومون بها والانتهازيون يقطفون ثمارها . لم تخرج ثورة يناير 2011 الشعبية المصرية عن هذه المعادلة . فالإخوان المسلمون ليسوا من أطلقها بل إنهم حاولوا مساومة حسني مبارك في وقت كان يضيق ميدان التحرير بالجموع الثائرة . ولما اضطر مبارك إلى التنحي قادتهم مجموعة من المصادفات إلى رأس هرم السلطة بعد أن قدموا الوعود بعدم الترشح لرئاسة الجمهورية . بالطبع ساعدهم على ذلك قدراتهم التنظيمية، بحكم عملهم السري منذ عقود طويلة، بالاضافة إلى الدعم الخارجي والمساعدات المالية الطائلة التي تلقونها .

كان صعود الإخوان سريعاً إثر الثورات العربية لكن أفول بريقهم كان أسرع . ففي عام واحد فقط راكم الرئيس مرسي من البراهين عن افتقار للكفاءة وحب للسلطة واستهانة بالشعارات التي أوصلته إلى الرئاسة ومقدرة على التزلف الرخيص حيال الأمريكيين والإسرائيليين، ما أساء إلى مكانة أم الدنيا وكرامتها . لم يكن أمام الشعب المصري سوى التحرك لإنقاذ ثورته من الضياع وبلده من التفكك ومؤسساته من الانهيار .

تحرك الجيش المصري مدعوماً من عشرات الملايين من المصريين فرسم خارطة للطريق أيدتها المعارضة المتمثلة بجبهة الانقاذ كما بابا الاقباط وشيخ الازهر وحزب النور السلفي . رد الإخوان بالاعتصام في ساحتي مسجد رابعة العدوية والنهضة منددين بالانقلاب العسكري على الشرعية المتمثلة بالرئيس مرسي، الذي انتخبه الشعب، و مطالبين بإطلاق سراحه وعودته لممارسة صلاحياته . رفض الإخوان وأعاقوا كل الوساطات السياسية والدبلوماسية الاوروبية والأمريكية والعربية والمصرية وآخرها وساطة الازهر الذي يتهمونه بدعم الانقلاب . وكان لا بد للحكومة الجديدة من فض الاعتصام حتى لا تذهب مصداقيتها وخارطة الطريق كما هيبة الجيش وقوات الأمن أدراج الرياح فتدخل مصر عندئذ أتون حرب أهلية مديدة . وهذا ما كان بعد انتظار دام نيفاً وأربعين يوماً .

اتفقت كل التحليلات على أن فض الاعتصام الذي نظمه الإخوان المسلمون في رابعة العدوية والنهضة، والذي شاركت فيه جموع غفيرة من مؤيديهم، قد يكلف خسائر بشرية ومادية لا يقوى الجيش على تحملها فيضطر للتراجع مهزوماً نادماً .وعلى خلفية الأزمة قامت عمليات إرهابية في سيناء ضد الجيش على يد جماعات أرادت دعم الإخوان عبر تشتيت الجيش والهائه وضرب معنوياته ومصداقيته .

عشية فض الاعتصام كان الجميع يحبسون أنفاسهم توجساً من مشاهد دموية تنقلها شاشات التلفزة في العالم أجمع ومن حرب أهلية حذرت منها أنقرة وطهران وبعض المراقبين الغربيين . راهن الإخوان على الصورة وصمود مؤيديهم الموعودين بالجنة، في سعي لإحباط ما سموه بالانقلاب فيعودوا إلى السلطة من بابها الواسع ليبقوا فيها إلى أمد غير معلوم .

فاجأت القوات الأمنية المصرية العالم بنجاحها السريع في فض الاعتصامين بكلفة بشرية ومادية أقل بكثير من التوقعات، رغم لجوء الإخوان إلى الارهاب المتنقل الذي راح يحرق المؤسسات العامة والكنائس بحثاً عن فتنة طائفية تذهب بالبلد إلى الحرب الاهلية . وكان لا بد للحكومة من أن تستجيب لنداءات بإعلان حالة الطوارىء ولو مؤقتاً لإخراج البلد من نفق الأزمة .

لو لم تنجح قوى الأمن في فض الاعتصام بهذه السرعة لدخلت مصر في غياهب المجهول . ففي الداخل بدأ البعض ،مثل البرادعي الذي استقال تهرباً من المسؤولية كما قالت عنه حركة تمرد أو حزب النور السلفي أو رئيس حزب مصر القوية عبد المنعم أبو الفتوح أو الدكتور سليم العوا أو حتى شيخ الأزهر الذي أعلن في بيان عدم علمه بقرار فض الاعتصام الخ . .، يتصرف وكأنه يقفز من مركب الجيش الذي يهم بالغرق .كذلك في الخارج تسابقت دول عديدة كبرى وصغرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وتركيا وقطر والامم المتحدة والمكسيك والاورغواي وغيرها، على التنديد باستخدام القوة لفض الاعتصام والتهديد بإجراءات ضد القاهرة (استدعاء سفراء، إلغاء مناورات مشتركة، الذهاب إلى الامم المتحدة . . .الخ) .

أما وقد نجح فض الاعتصام فإن كثيرين بدؤوا بالقفز من مركب الأخوان الذي يهم بالغرق، إذ قدم مئات المنتسبين الجدد لحزب الحرية والعدالة استقالاتهم لينضموا إلى حركة إخوان ضد العنف التي ولدت قبل الاعتصام . ويبدو الإخوان المسلمون المصريون أمام خيارين:

* العودة إلى السرية التي طالما اعتادوا عليها .ذلك أن قيادييهم سيكونون هدفاً للملاحقات الأمنية والاتهامات التي ستجعل منهم إما مساجين وإما هاربين من وجه العدالة . هذا الخيار سينهيهم إذ قد يصدر قانون بحظر حزبهم بهدف دفعهم إلى تشكيل حزب جديد بخطاب جديد .

* الالتحاق بخارطة الطريق التي أعلنها الجيش والتي يبدو أنها سوف تستكمل مسارها ولو على طريق محفوف بالمخاطر والمصاعب . وعلى الإخوان في هذه الحال المسارعة إلى تجديد خطابهم وقياداتهم، بعد إجراء مراجعة لتجربتهم السياسية في المعارضة والسلطة، علهم يعثرون على مكان لهم في الدولة المدنية الناشئة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"