“أوباما الثاني”والشرق الأوسط

05:33 صباحا
قراءة 4 دقائق

السؤال الذي فرض نفسه على المحللين والسياسيين العرب فور إعادة انتخاب أوباما، هو عن سياسته الشرق-أوسطية المقبلة بعد تحرره من ضغوط اللوبي الصهيوني . وقد تفاءل معظم هؤلاء بعودة أوباما إلى البيت الأبيض متخففاً من ضغوط نتنياهو الذي أيد ميت رومني . فقد بات معلوماً أن سوء الطالع الذي أراد أن يصل نتنياهو إلى السلطة بالتوازي تقريباً مع أوباما في العام ،2009 أطاح كل وعود هذا الأخير المتعلقة بإيجاد تسوية سلمية للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، على خلفية مد اليد إلى العالمين الإسلامي والعربي، بما فيهما إيران (خطابا القاهرة وأنقرة، واستقبال محمود عباس في البيت الأبيض، وتعيين مبعوث خاص للشرق الأوسط وتهنئة القيادة الإيرانية بعيد النيروز . . .) .

بالطبع ينبغي التذكير بأن أولى أولويات الرئيس الديمقراطي الذي جدد له في سابقة هي الثانية فقط بعد الحرب العالمية الثانية (ما عدا بيل كلينتون، لم يتم التجديد لأي رئيس ديمقراطي لولاية ثانية منذ هذه الحرب)، هي التصدي لمشكلة المديونية العامة التي قفزت فوق رقم ال16 ألف مليار دولار، والبطالة المتنامية والشركات والمصارف الكبرى التي تخشى الإفلاس وغيرها من المعضلات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية الخطرة . لكن مجرد إعادة انتخاب أوباما تعني أن الشعب الأمريكي يثق ببرنامجه الذي ووجه بعقبات كأداء خلال الولاية الأولى، ويمنحه فرصة جديدة لتنفيذه .

الانكباب على الشؤون الداخلية لمواجهة هذا الكم من المشكلات المستعصية يبعد احتمال الانخراط في سياسات خارجية هجومية وتدخلات عسكرية بعيداً خارج الحدود . الأمريكيون لم يمنحوا ثقتهم للمرشح رومني الذي وعد بمثل هذه السياسات والتدخلات . وهكذا يمكن القول إن التدخل العسكري الأمريكي ضد إيران بسبب برنامجها النووي يغدو أضعف احتمالاً مما كان عليه خلال السنوات المنصرمة، رغم وعود أوباما بالقيام بكل شيء لمنع إيران من الحصول على السلاح النووي . وفي هذا الملف لم يعد سراً الخلاف الخطر بين أوباما ونتنياهو الذي وصل إلى العلن، والذي انتهى بامتناع رئيس الوزراء الإسرائيليمن تنفيذ تهديداته المتكررة بقصف المفاعلات النووية الإيرانية بموافقة أمريكية أو من دونها . أوباما هو الذي فاز في هذا الملف، وهو لا يزال يؤمن بجدوى العقوبات ومفاعيلها، ويبدو مرجحاً أن يستمر في سلوك هذا السبيل بالتوازي مع التفاوض العلني (مجموعة 6+1) والسري . وفي هذا الصدد سربت صحيفة النيويورك تايمزخبراً مفاده التوصل إلى اتفاق بين واشنطن وممثلين عن الإمام الخامنئي نفسه للشروع في مفاوضات سرية ثنائية حول الملف النووي وسوريا والعراق إذا ما أعيد انتخاب أوباما . ورغم نفي الإدارة لهذا الخبر فإنه لا دخان من دون نار في العلاقات الدولية .

عن سوريا أُخذ على الرئيس أوباما عدم حماسته لتسليح المعارضة والقيام بأفعال حاسمة لتغيير النظام . وعلى الأرجح أنه كان يخشى حدوث أخطاء أو هفوات في هذا الملف الشائك خلال حملته الانتخابية تؤثر سلبياً فيها، فآثر الحذر والتريث . لكنه بات مدعواً اليوم إلى القيام بمثل هذه الخطوات الحاسمة التي قد تكون تسريبات البنتاغون الأخيرة التي توقعت انهيار نظام الأسد على يد الجيش السوري الحر، قبل نهاية العام الجاري، على علاقة بمثل هذه الخطوات . لكن يعتقد أغلبية المحللين الأمريكيين عدم الانخراط المباشر للإدارة المجدد لها في الملف السوري أو فرض رؤيتها الخاصة، ويرجحون سعيها للتوصل إلى اتفاق مع الروس والصينيين وغيرهم على مصير سوريا ما بعد الأسد .

في الملف الفلسطيني من المستبعد أن يلجأ أوباما إلى الضغوط المباشرة على إسرائيللإجبارها على القبول بما لا تقبل به . كل ما يستطيع أن يأمله هو أن ينجح معارضو نتنياهو (أولمرت، تسيبي ليفني . . .) في الاتحاد للوقوف في وجهه في فبراير/ شباط المقبل، موعد الانتخابات التشريعية، مستغلين مراهنته الخاسرة على المرشح الجمهوري رومني . ما عدا ذلك فالعلاقة مع الحليف الاستراتيجي يصعب المساس بها وهي تتخطى العلاقة بين زعيمين عابرين . والقضية لا تكمن فقط في نفوذ اللوبي الصهيوني عشية الانتخابات، بل في تأثيره المستمر في الحياة السياسية والاقتصادية الأمريكية من خلال الكونغرس والإيباك والمنظمات والشركات وغيرها، إذ يفضل الرئيس، مهما كان قوياً، عدم مواجهتها لاسيما أنه في الجانب المقابل، أي الفلسطيني والعربي، ليس من ثقل يقابل الثقل اليهودي في الحياة الأمريكية . ثم إن الخلافات بين حماس وفتح تشكل ذريعة مناسبة لاعتكاف أوباما، كما شكلت ذريعة لنتنياهو الذي أوقف المفاوضات مع الفلسطينيين منذ العام 2010 . لقد تراجع أوباما عن كل وعوده الفلسطينية، بل أكثر من ذلك استخدم حق النقض -الفيتو لمنع مجلس الأمن من إدانة الاستيطان الذي وعد نفسه بالتصدي له، كما وقف في وجه محاولات الفلسطينيين بالاستحواذ على صفة دولة كعضو مراقب في الأمم المتحدة، وهو الذي وعد بدعم حقهم في دولة مستقلة . لقد انتصر عليه نتنياهو بالنقاط أولاً ثم بالضربة القاضية في هذا الملف الذي لم يعد يشكل تهديداً للأمن والسلم الدوليين، كما كان عليه في العقود الطويلة المنصرمة .

في العام 2008 نشر ريشارد هاس مقالة في الفورين أفيرزيتوقع فيها أن تنكفئ واشنطن عن الشرق الأوسط رغم بقائها أحد اللاعبين الدوليين الأبرز فيه . وبعد انسحابها من العراق ثم قريباً من أفغانستان وفشلها في الصراع العربي- الإسرائيلي#171;، فمن المرجح أن تتحقق توقعات هاس . ويرجح مارتين أنديك الذي كان سفيراً لواشنطن في تل أبيب، بأن ينكب اهتمام أوباما، في ولايته الثانية، على منطقة آسيا الباسيفيك بهدف الاستفادة من حسنات النمو الصيني والهندي . ففي هذه المنطقة بات يتمركز ثلثا النشاط التجاري العالمي، والولايات المتحدة تتجه لأن تكون دولة باسيفيكيةأكثر منها أطلسية، كما يضيف جون ألترمان من معهد الدراسات السياسية والاستراتيجية في واشنطن . وهذا يعني أن الشرق الأوسط لن يلاقي الاهتمام المطلوب كما يأمل المتفائلون فيه بانتخاب أوباما . فلنكف عن انتظار الانتخابات الأمريكية والإسرائيليةوغيرها، ولنبحث بأنفسنا عن الطريقة الأجدى لإجبار الآخرين على الشعور بأن تحقيق مصالحنا المشروعة هو السبيل الذي لا بد منه لتحقيق مصالحهم .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"