نحن والحيوان

كلمات
06:01 صباحا
قراءة 3 دقائق

لو أمعنت النظر في شخص معين لذكرك ربما بحيوان ما، طائر مثلاً، ليس في بعض الملامح فقط إنما في السلوك أيضاً. وقد تشعر بالرهبة من هذا الإحساس الذي يعتريك، لكن لا عليك، فهذا الشعور يؤكد في الواقع أن هناك ترابطاً حقيقياً بيننا وبين المخلوقات الأخرى على سطح هذا الكوكب.

إن علاقتنا بالحيوانات تعود إلى الزمان الغابر. والبشر جابوا الأرض جنباً إلى جنب، أو أسرعوا الخطى في اتجاه معاكس لاتجاه الحيوانات، ولذلك نشأت بيننا وبين تلك المخلوقات علاقة وطيدة.

وقد كنا ومازلنا نستمتع في التقاط الصور للحيوانات، درسناها معجبين بها، ورحنا نربيها كحيوانات أليفة في منازلنا، وبالغ البعض في تقديرها فاتخذها آلهة! وقد بلغت هذه العلاقة بيننا وبين الحيوانات مجالات كثيرة فطرقت أبواب الفن، حيث جسدها ليوناردو دافنشي في لوحاته، واستوحى منها أشكالاً غريبة. كما جعل الكتّاب والأدباء الحيوانات شخصيات رئيسة في أعمالهم مثل أساطير إيسوب وكليلة ودمنة.

من ناحية أخرى، تحفل النصوص الدينية بالحديث عن هذه المخلوقات، كما قد يمثل الحيوان خلّة بشرية، ضعفاً، أو قوة. وقد تم تصوير الكثير من الحيوانات في تجسيد الخير أو الشر. لكن، لماذا يسهل علينا تقبل الحقيقة عندما تكون محصورة بمملكة الحيوان بينما نجد صعوبة في مواجهتها في عالم البشر؟

في أدب الأطفال، تم توظيف الحيوانات لتكون بمثابة بوصلة أخلاقية ترشدهم إلى الخير والأخلاق الحميدة وتبعدهم عن الشر ومساوئ الأخلاق في العالم المحيط بهم. وقد يتساءل أحدنا عما إذا كان لبعض الكتب من مثل قصة بيتر رابيت لبيتريس بوتر، أو كتاب لويس كارول مغامرات أليس في بلاد العجائب، تأثير أكبر في النفوس لو كانت ممثلة بالبشر؟

ومن الملاحظ أنه من السهل على الأطفال الارتباط بالحيوانات وتفهم صفات البشر من خلالها، كما يفعل الكبار. وأظن أنه من الأسهل لنا استبعاد مشاعر التحيز وعدم اصدار الأحكام عند الحديث عن بيتر رابيت وقطة تشيشاير.

لقد استخدم جورج أورويل شخصيات حيوانية في تصويره شياطين الدكتاتورية في روايته الكلاسيكية مزرعة الحيوانات (أنيمال فارم). ومن خلال الخنازير والبقر والجياد التي عاشت ضمن حدود سياج المزرعة تعلمنا عن المخاتلات السياسية والخطط الملويّة ما لم تعلمنا إياه مشاهدتنا للحقائق في الأخبار المتلفزة.

ولابد أن هناك صلة بين عالم السياسة وعالم الحيوان (بعيداً عن التورية)، فالحزبان السياسيان الرئيسان في الولايات المتحدة تمثلهما صور الحيوانات. الحمار يمثل الحزب الديمقراطي، والفيل يمثل الحزب الجمهوري.

وفي اللغة للحيوانات مكانتها أيضاً، إذ كثيراً ما نسمع عبارات متعلقة بها، فنحن نقول مثلاً دموع التماسيح للتعبير عن النفاق في مشاعر البشر. ولكن لماذا نوظف صورة التمساح الباكي لتصوير صفة تخص الإنسان وحده دون سائر المخلوقات؟ ولماذا يكون المكر للثعلب، والحكمة للبوم؟ ولا يكون المكر للساسة والحكمة للرهبان؟

وفي ما يدعى عالمنا المتحضر، ترانا نفخر بكوننا مختلفين تماماً عن الحيوانات. ونقول إننا لسنا متوحشين. فالحيوان يصطاد ليبقى على قيد الحياة، ونحن نصطاد للتريض. والحيوانات تقتل، لأنها لا تملك الخيار، أما البشر فيقتلون والخيار في ذلك خيارهم!

لو أن الناس يرفعون رؤوسهم عالياً لمرة واحدة، ولو أنهم حدّقوا في الوجوه التي تمر بهم، أو لمحوا طاولة قريبة في مطعم فسوف يرون.. سوف يرون الثعلب في وجه عابر، ويلمحون البوم في عيني شخص آخر، وعندها فقط سوف يعلمون أن هناك شيئاً وحشياً داخل كل إنسان، وأن هناك شيئاً آخر إنسانياً في كل وحش!

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​رئيس تحرير صحيفة Gulf Today الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"