عادي
في ظل غياب الوعي الذاتي بنتائجها المدمّرة

العقوبات الرادعة توسُّل "إنساني" لوقف نزيف حوادث الطرق

03:05 صباحا
قراءة 23 دقيقة

من الأقوال الدارجة ان الحزن يبدأ دائماً كبيراً على معظم المنغصات والكوارث الحياتية، ومن ثم يصغر شيئاً فشيئاً بمرور الوقت، عدا في ما نحن بصدد تناوله من قضية الحوادث المرورية لاسيما البليغة بتبعاتها شديدة الإيلام، والتي إن كنا قد أرهقناها بحثاً، وأجهدناها قولاً، إلا أنها من القضايا التي توقظ أحزاننا كل حين، وتحث فينا الضمائر على معاودة تناولها، خاصة أنه كلما أشحنا النظر عنها قليلاً إلى غيرها من القضايا اليومية، يصدم مشاعرنا حادث جديد، بضحايا جدد، وبيوت تنهار، وأسر تباد من على وجه الأرض، كأنها ما كان لها وجود من الأساس، فضلاً عن ضياع حيوات شباب صغار كانوا يحلمون بمفردات غد مشرق، فتم وأد آمالهم في مهدها، على أيدي عجلات مركبات طائشة، يقودها أشخاص متهورون، ضحوا بأيامهم المقبلة، مقابل التباهي بمقدرتهم على تجاوز النظم والقواعد المرورية، والقفز فوق الالتزام المطلوب بأنظمة السير والقيادة السليمة الآمنة .

فمن الصور الواقعية المحزنة، أو بدقة الحوادث المرورية المأساوية، الحادث الذي حصد منذ فترة، أرواح خمسة مواطنين من قبيلة واحدة، لم يتجاوز أكبرهم الثالثة والعشرين من عمره، منهم شقيقان وعم وابن أخ، وهنا الحادث الذي قضى على طفلي أم مواطنة، بعدما انفجر إطار سيارتها، فتدهورت السيارة، وانقلبت أكثر من مرة، ليموت الطفلان تباعاً بعد نقلهما إلى المستشفى، فيما كانت الأم في غيبوبة لم تلم جراءها بجوانب المصيبة التي حلت بها، وهنا أيضاً الأب الذي كان يعول أسرة من خمسة أبناء، وهبط من منزله ليلاً لشراء ربطة خبز، فما كادت قدمه تحط على أرض الشارع في انتظار عبوره، إلا وأتت سيارة مسرعة، يقودها شاب في مستهل العشرينات من عمره لتسحقه تحت عجلاتها تماماً، فيما تبين لاحقاً أن الشاب لم يكن في كامل وعيه، حيث غيبته الخمور التي كان قد احتساها .

التبعات الباكية للحوادث المرورية، لا تنتهي عند حد فقد الأب أحياناً أو الأم، أو الأطفال في معظم الأحيان، بل تأتي كذلك في صورة العجز الذي قد تلحقه بجسد هذا أو تلك، فيموت الضحية مجازاً وهو لايزال على قيد الحياة، مئة مرة في اليوم، حيث يصبح أي ممن لم يقض الحادث عليه مكبلاً بعجزه الجسماني عن ممارسة جوانب الحياة الطبيعية لأي كان، والإضافة المضنية لنفسيته، كذلك يصبح مرفوضاً تماماً نظراً لعجزه من أي من الجهات الوظيفية، فلا هذه تقبله، ولا تلك، ويفقد بالتالي أهليته الحركية، ومن ثم يضاف كرقم إلى الأرقام العديدة في سجلات العاطلين عن عمل، أو القوى البشرية المعطلة رغماً عن نيل حقها المشروع في وظيفة لائقة، ودخل ثابت، وأسرة مستقرة، فيما إذا كان موظفاً أصلاً، فموقعه المهني يذهب عنه لغيره، فعجزه الذي لا ناقة له فيه ولا جمل، يقف كحجر عثرة بينه وبين مزاولته تفاصيل حياته التي كانت قبلاً، وجراء ذلك يجلس بيته مشلول الحركة، ضائع الحلم، معذب النفس .

وبشكل عام، فالنتائج المؤسفة كذلك للحوادث المرورية، لا تعفى منها أسرة الجاني أو مرتكب الحادث، حيث قد تصيبها في مقتل، من ناحية فقد معيلها إذا كان الأب هو الذي ارتكب الحادث، وقد يكون المتسبب هو الابن الذي ربما كانت تبني عليه أسرته الآمال مستقبلاً في انتشالها من مآزقها المعيشية، ومن مرتكبي الحوادث كذلك شباب كان يرسمون بأحلامهم خطوطاً مبهجة لمستقبلهم المنتظر، فأضاعوه بتهورهم في القيادة، وإهمالهم الانتباه والتركيز، وغير ذلك من العوامل التي تقف على رأس مسببات الحوادث المرورية .

إحصائيات

القضية كبيرة، لأنها تتضمن إهداراً للقوى البشرية المواطنة تحديداً، في ضوء ضياع كثير من الأرواح الشابة المواطنة، جراء الحوادث المرورية البليغة، إذ احتل المواطنون المرتبة الثالثة في قائمة وفيات الحوادث المرورية في دبي وحدها العام الماضي، حيث توفي 21 مواطناً، مقابل 22 مواطناً عام ،2009 فضلاً عما كشفته المؤشرات الاحصائية في وزارة الداخلية من انه وخلال السنوات من 2004 - 2008 تعرض 3477 طفلاً لحوادث مرورية، بلغت أعداد الوفيات والإصابات البليغة فيها 554 حالة .

علاوة على هذا وذاك فالتكلفة الاجمالية للحوادث المرورية في الدولة تصل إلى نحو 4 مليارات درهم سنوياً، وتعادل من 2% - 3% من إجمالي الناتج الوطني، وفقاً لما أوضحه قبلاً أحد الباحثين في مجال السلامة المرورية، إلى جانب ما كشفته ندوة عقدت في أبوظبي العام الماضي، من أن التكلفة الاقتصادية المباشرة الناجمة عن الوفيات والإصابات المرورية في الدولة خلال عام ،2009 بلغت 6 .16 مليار درهم، بما يعادل 18% من التكلفة الإجمالية للحوادث في الدول العربية كافة .

الحقيقة إذا تركنا للأرقام العنان، لسرد عدد الحوادث المرورية التي تقع شهرياً وسنوياً في الدولة، وضحاياها بالتصنيف الدقيق لأعمارهم، وغير ذلك، فقد لا تتوقف عن الحديث الرقمي، لكننا اختصاراً نكتفي بما ذكرناه منها، لنلقي في التحقيق التالي الضوء على هذه المشكلة الخطيرة، من خلال تناول كثير من جوانبها وتداعياتها .

بدءاً، وتوضيحاً لأبعاد حجم مشكلة الحوادث المرورية في بعض الإمارات، والسبل الكفيلة نسبياً بتقليص التزايد الملحوظ فيها، نستعرض وجهات نظر عدد من رجال الشرطة والقانون حول ذلك .

انخفاض الوفيات

العقيد علي المطروشي رئيس قسم المرور في إدارة مرور عجمان قال: نحن نسير بشكل صحيح في خفض الحوادث المرورية وما يتعلق بها إجمالاً، وفق استراتيجية مدروسة على مستوى وزارة الداخلية، تتماشى مع الاستراتيجية العامة للحكومة الاتحادية، التي تهدف إلى حفظ وسلامة الطرق، والحد من حوادث السير، وحوادث الدهس التي تشكل مشكلة كبيرة، حيث توجد طبقة من العمال الذين لا يجيدون التعامل مع الطرق بشكل صحيح ويعبرون بشكل عشوائي على طرق سريعة نسبياً، ولا تصلح للعبور، وهؤلاء يتسببون في زيادة نسبة حالات الوفيات، حيث تكثر حوادث عبورهم العشوائي في المناطق الصناعية الداخلية التي لا توجد فيها إنارة كافية، لذا نطالب دائماً بتزويد الطرق بالحلول الهندسية المناسبة، كوضع حواجز تمنع العبور العشوائي، مع إيجاد وسائل عبور أخرى .

وبشكل عام فالحوادث المرورية تعد مشكلة دولية، وتعتبر نتيجة طبيعية لأي تطور في أي دولة، والتطور السريع الذي شهدته الدولة أدى إلى زيادة شبكة الطرق، وأعداد المركبات، وبالتالي حدثت زيادة في عدد الحوادث المرورية، وبالنسبة لإمارة عجمان فقد حققنا انخفاضاً في عدد الوفيات، وذلك من 56 حالة وفاة وقعت عام 2008 إلى 27 حالة وفاة عام ،2009 و25 حالة وفاة عام ،2010 وهذا الانخفاض يعد جيداً في ضوء تزايد عدد المركبات والتطور العمراني على مستوى الدولة التي تشهد انخفاضاً عاماً في نسبة وفيات الحوادث المرورية التي تقع فيها .

انعدام الوعي

ومن ناحيته قال المقدم أحمد عبدالله بن درويش رئيس قسم الدوريات (الأنجاد) في إدارة عمليات شرطة الشارقة: وقعت في الشارقة العام الماضي 140 حالة وفاة، مقابل 152 وفاة عام ،2009 فيما معظم المتسببين في الحوادث البليغة وكذا ضحاياها هم من المقيمين، فضلاً عن أن نسبة 90% ممن يتعرضون لحوادث الدهس من الآسيوين جراء انعدام الوعي لدى أكثرهم بأماكن عبور المشاة، وإهمال تقدير المسافات بينهم وبين المركبات العابرة على الطرق، وعدم التزامهم بالعبور الآمن . والمؤسف أن نسبة 70% من الحوادث البليغة يرتكبها شباب في الفئة العمرية من 18 إلى 30 عاماً، في حين يعد كبار السن ممن تجاوزوا الثلاثينات من العمر، أقل ارتكاباً للحوادث وتعرضاً لها نتيجة النضج والوعي، وأيضاً معظم الحوادث المرورية تقع نتيجة المخالفات المرورية المتعددة، لاسيما السرعة الزائدة، والقيادة بطيش وتهور في بعض الأماكن، وعدم التزام عدد من السائقين بالإرشادات والشاخصات المرورية .

ويعود السبب الرئيسي في تزايد الحوادث رغم الجهود المبذولة من إدارات المرور في الدولة، إلى انعدام الوعي والثقافة المرورية بشكل عام، والحقيقة تواجهنا مشكلة كبيرة حالياً من فئة الشباب تتركز في الإصابات والوفيات التي تلحق بالعديد منهم، نتيجة قيادة الدراجات النارية ذات الأربع عجلات، وخاصة في المناطق الصحراوية، إلى درجة يمكن معها القول إنه لم يعد هناك مكان في الدولة إلا وفيه أسرة تعاني من فقد ابنها في حادث قيادة دراجة نارية، فضلاً عمن أصيبوا باعاقات وعجز كلي عن الحركة نتيجة لهذه الحوادث، وبلاشك للطفرة الاقتصادية والرفاهية دوراً في ذلك، حيث تقف وراء انسياق معظم الشباب تجاه قيادة السيارات السريعة، والدراجات النارية ذات الأربع عجلات، لذا فعلى أولياء الأمور الانتباه لذلك، وعدم السماح لأبنائهم بقيادتها، ومن الضروري أن يكونوا على وعي ودراية بالواقع المروري في الدولة، وحجم ضحايا الحوادث المرورية، حتى يمكن خفض نسبة الوفيات عن معدلاتها الحالية، في ضوء الحداثة التي أصبحت عليها طرق الدولة اليوم، والأنظمة المرورية المتطورة، والتي تستوجب على السائقين أن يجاروها في ذلك، حيث من المؤسف أن معظمهم لايزالون على النظام السابق في القيادة .

علاوة على ما سبق، فقد كان من المفترض عندما شددت مواد قانون المرور عام ،2008 على أن تكون هناك نتيجة ملموسة لذلك، من ناحية حدوث انخفاض في نسبة الحوادث والمخالفات المرورية، إلا أن العكس هو ما حدث، فما من شاب يذهب لتجديد سيارته سنوياً إلا ويسدد آلاف الدراهم لقاء المخالفات المرورية التي ارتكبها، ومع ذلك فقد بدأت اللجنة الدائمة للضبط المروري في الشارقة عملها في ضبط الشارع المروري عامة أواخر العام الماضي، ونجحت إلى حد ما في ذلك، من خلال النتائج التي حققتها، فوفقاً للملاحظات تبين حدوث انخفاض في عدد وفيات الحوادث المرورية نسبياً، ومن المتوقع خلال الأشهر المقبلة تزايد معدل الانخفاض، فيما من المفروض إجمالاً أن يكون كل من سائقي المركبات وأيضاً المشاة، على وعي تام بالقواعد والنظم المرورية، فرغم خضوع قائدي المركبات لاختبارات قيادة نظرية وعملية للحصول على رخص القيادة، إلا أن معظمهم وللأسف وعقب مرور فترة زمنية قصيرة، على حصول الواحد منهم عليها، يتناسون الأنظمة والقواعد المرورية كافة .

عناصر أساسية

وحدد المحامي د . محمد الصاحي عدداً من العناصر الأساسية المرتبطة بصورة مباشرة بالحوادث المرورية، ومنها اللياقة الصحية وكفاءة السائقين لقيادة المركبات، والسلامة الحركية الميكانيكية للمركبة، والتخطيط السليم للطرق الداخلية والخارجية، وتوفير الوسائل الخاصة بذلك، من الإرشادات واللوحات المرورية، وتقييم كفاءة الجهاز الإداري المسؤول عن حركة سير المركبات، والمرور إجمالاً في مختلف مدن ومناطق الدولة، وتفعيل المسؤولية المجتمعية، وتكثيف الثقافة المرورية في المجتمع، ومؤسسات القطاعين العام والخاص، والمؤسسات المدنية فيها، وفند كل محدد على حدة، بادئاً بالقول:

ومما لا شك فيه أن عدد الوفيات المترتبة عن حوادث السير في مختلف مدن ومناطق إمارات الدولة أصبحت لافتة للنظر، وفي تزايد مستمر، ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الجهات المعنية في إدارات المرور في مختلف إمارات الدولة للحفاظ على الثروة البشرية، وللحد من مخاطر السير للمركبات على الطرقات بالدولة . ومن الملاحظ أيضاً أن النتائج المترتبة على وقوع الحوادث المرورية لم تقتصر على الإصابة بالجروح أو الكدمات أو الكسور، وإنما تمثلت كذلك في فقدان الأرواح من الشباب والعائلات بكافة أفرادها المكونة من الأطفال والأمهات والآباء .

ولا يتنازع اثنان في شأن النتائج المترتبة على الحوادث المرورية في مختلف إمارات الدولة بأن أصبحت فاجعة كبرى يتعرض لها الوطن بخسارة شبابه وأطفاله، والعديد من العائلات سواء من المواطنين أو المقيمين بأكثر مما تخسره البلدان التي تتعرض للحروب، واستناداً لذلك لابد من أن تسرع الجهات المعنية بمناقشة الموضوع، واتخاذ الإجراءات للحد من ظاهرة حوادث السير على الطرقات الداخلية والخارجية في مختلف مدن ومناطق إمارات الدولة، وخاصة الحوادث التي يترتب عنها ازهاق الأرواح وهلاك الممتلكات .

وقبل الحديث حول العناصر المرتبطة للحد من حوادث السير للمركبات على الطرق والمشار إليها أعلاه لابد من التأكيد على أن الحوادث المرورية والمترتبة عن حركة سير المركبات على الطرق الداخلية والخارجية في كل مدن ومناطق إمارات الدولة ليست من مسؤولية الجهاز الإداري بالمرور التابع لمراكز الشرطة وحده، وإنما المسؤولية في هذا الشأن مشتركة مع المجتمع وبقية المؤسسات الرسمية والمدنية سواء في القطاع العام أو الخاص بمختلف إمارات الدولة . من الأهمية بمكان زيادة وضع الرادارات على الطرق الداخلية والخارجية لرصد سرعة المخالفين من مستخدمي الطرق، ويعتبر ذلك أحد الإجراءات الوقائية الجوهرية، ولكنه ليس العنصر الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه للحد من السرعة، أو التقليل من جسامة الحوادث المرورية وخاصة التي يترتب عنها إزهاق الأرواح وهلاك الممتلكات .

ينبغي أن نؤكد عند تشخيص الأسباب التي تؤدي إلى جسامة الأضرار سواء المتمثلة في الوفيات أو هلاك الممتلكات، والناتجة عن حوادث سير المركبات على الطرق ألا يكون الاعتماد أو الرجوع إلى سبب السرعة الطائشة كما هو شائع، والذي أدى إلى المبالغة في وضع العديد من الرادارات بمختلف أنواعها وأشكالها التقنية، علاوة على زيادة غرامة المخالفات الناتجة عن السرعة المصرح بها، وإنما ينبغي الرجوع إلى مجموعة من العوامل أو الأسباب الأساسية الأخرى والتي أشرنا إليها سلفاً .

ومن أهم هذه العناصر الأساسية والمؤثرة بصورة مباشرة في وقوع حوادث سير المركبات في إمارات الدولة تأتي اللياقة الصحية وكفاءة السائق لقيادة المركبة، ونعني في هذا الصدد أن السائق باعتباره المحور الرئيس في قيادة السيارة وفق النظام أو القانون والأخلاق والآداب الخاص بحركة السير والمرور وله أيضاً القدرة والسيطرة عليها وتجنيبها من الوقوع في الحادث، مما ينبغي أن يخضع ويوقع عليه الكشف الطبي للتأكد من سلامته الصحية سواء الجسدية والنفسية والعقلية، بحيث لا يقتصر الفحص الطبي على فحص النظر كما هو متبع في الوقت الحاضر، إذ قد لا تتوافر فيه اللياقة الصحية المطلوبة أصولاً للتعامل مع قيادة المركبة أثناء السير في الطرقات الداخلية، أو الخارجية، سواء كان ذلك في فترات الليل أو النهار، أو في المسافات القصيرة أو البعيدة، وقد يعاني المتقدم لقيادة المركبة على سبيل المثال من ارتفاع أو انخفاض ضغط الدم أو قد يعاني من أمراض نفسية، مما يعني أن العامل الصحي أو السلوكي يعتبر شيئاً جوهرياً في المتقدم للحصول على رخصة قيادة المركبة .

بالإضافة إلى ذلك يجب إعادة النظر في تقدير العمر الذي يمكن منح رخصة القيادة فيه لقائدي المركبات سواء كانت المركبة خاصة أو ثقيلة، أو كانت خاصة أو أجرة، أو تعمل في المؤسسات التابعة للقطاع العام أو الخاص، إذ يفترض ألا يقل عمر المتقدم ذكراً أو أنثى للحصول على رخصة قيادة المركبة الخاصة عن 21 سنة ميلادية، وأن لا يقل عمر المتقدم لقيادة المركبة الثقيلة عن 25 سنة ميلادية، وإلى جانب ذلك يجب إعادة النظر في صلاحية رخصة قيادة المركبة لتكون 5 سنوات، بدلاً من 12 سنة، أي ينبغي تجديد الرخصة بعد مرور 5 سنوات مع توقيع الكشف الطبي للتأكد من اللياقة الصحية الجسدية والنفسية والعقلية، أما في ما يخص غير المواطنين فيجب أن ترتبط مدة صلاحية رخصة قيادة المركبة بصلاحية الإقامة في الدولة، وتجدد بتجديد الإقامة بدائرة الهجرة والجوازات، وبعد توقيع الكشف الطبي المعتمد من الجهات المختصة في الدولة .

ومما لا شك فيه أن سلامة المركبة ومواصلة صيانتها من الأعطال أمر مهم في تجنب وقوع الحوادث، إذ ينبغي استمرارية الفحص الدوري للمركبة، على كافة أجزائها الداخلية والخارجية وخاصة فترة تجديد الملكية، بالإضافة إلى استمرارية متابعة التفتيش من أجهزة المرور بمختلف مراكز الشرطة بإمارات الدولة، وخاصة فحص الأنوار الأمامية والخلفية، ومكابح المركبة، حيث إن الملاحظ أن معظم المركبات التي تتحرك في الطرقات أنوارها الأمامية أو الخلفية الإشارات الجانبية بها أعطال ولا تعمل، مما ينبغي توقيع العقوبات على المخالفين في مثل هذا الشأن واتخاذ الإجراءات اللازمة لإصلاح مثل تلك الأعطال الخاصة بالأنوار والإشارات والمكابح الخاصة بالمركبة .

رصد الحوادث

واقترح إنشاء لجنة أو هيئة أو مجلس أو حسبما يتفق عليه من الأسماء، بحيث تكون هذه المؤسسة مستقلة عن بقية الأجهزة الإدارية المرورية المعمول بها في كل مراكز الشرطة، وأن يكون اختصاصها المكاني على مستوى كافة مدن ومناطق إمارات الدولة، على أن تسند إليها المهام لرصد الحوادث التي تنتج عنها بصفة خاصة الأضرار الجسيمة، والمتمثلة في الإعاقة الجسدية الدائمة والكسور الجسيمة، والوفيات الفردية، والجماعية والعائلية، وعلى أن تتابع أيضاً نسبة الحوادث الناتجة عن حركة المركبات وفق الإحصاءات اليومية بالتعاون المتواصل مع الأجهزة المرورية والبلديات بكافة مدن ومناطق إمارات الدولة، وبقية المؤسسات المرتبطة بتخطيط هندسة الشوارع وتنفيذها سواء الشوارع الداخلية أو الخارجية، والتي تكون تحت إشراف الحكومة المحلية أو الاتحادية، وعلى أن تشكل الهيئة من الأعضاء من ذوي الاختصاص في هندسة المرور، والمختصين في تطبيق قانون السير والمرور، من لهم خبرة ودراسات ميدانية وبحوث علمية، بشأن تنظيم حركة السير والمرور سواء كان من يعمل في الشرطة، أو من له خبرة مرتبطة بقانون السير والمرور، أو الهندسة والتخطيط في تنظيم حركة سير المركبات والمشاة في الطرق، لغايات الحد من المخاطر الجسيمة المترتبة عن حركة سير المركبات في إمارات الدولة، وإلى جانب ذلك ينبغي أن تكون لهذه الهيئة على سبيل المثال لا الحصر الاختصاصات في وضع السياسة حول العناصر الأساسية المؤثرة بصورة مباشرة في وقوع حوادث سير بالدولة .

تشديد العقوبات

ومن خلال وقوفه على قضايا الحوادث المرورية في المحاكم، قال المستشار القانوني هشام النوساني: تعد نسبة قضايا الحوادث المرورية بالمقارنة بغيرها من القضايا مرتفعة قليلاً، وإن كانت هذه النسبة بدأت في التناقص في السنوات الأخيرة، بعد إصدار القانون الاتحادي رقم 12 لسنة 2007 في شأن تعديل بعض أحكام قانون السير والمرور رقم 21 لسنة ،1995 وما تضمنه من تشديد بعض العقوبات المقررة على المخالفات المرورية، فضلاً عن تشديد الرقابة على الطرق، علاوة على الجهود الكبيرة التي يبذلها رجال شرطة المرور للحفاظ على الأرواح والممتلكات .

وظاهرة الحوادث المرورية مازالت تمثل عبئاً كبيراً على المجتمع، وتتمثل أهم أسباب الحوادث المرورية في تدني مستوى ثقافة بعض سائقي السيارات، وكذلك مستخدمي الطرق من المارة وراكبي الدراجات، واعتقاد البعض بأن الالتزام بقواعد المرور وتعليمات رجال المرور إنما يمثل تقييداً لحرياتهم، دون أن يفطنوا إلى أن تلك القواعد والتعليمات إنما تهدف إلى حمايتهم، وحماية الآخرين، فضلاً عن عدم الإلمام الصحيح من الكثيرين بقواعد وآداب المرور، والطيش الذي يتمتع به بعض مستخدمي الطرق، خاصة الشباب الذين يعتقدون أن القيادة لهو واستمتاع على الطريق، دون النظر إلى تبعات ما قد ينجم عن أفعالهم الطائشة .

ولا يخفى على الجميع ما لهذه الحوادث من نتائج أليمة ووخيمة العواقب تؤدي في أغلب الأحيان إلى تدمير الأسر، واستنزاف طاقات المجتمع وثرواته البشرية، سواء في حالات الوفاة أو الإعاقات البدنية، بالإضافة إلى الخسائر المادية الفادحة في بعض الأحيان .

ولا يمكن تغليب نسبة على الأخرى من متضرري الحوادث المرورية، سواء الوفيات الناتجة عنها، أو الإعاقات البدنية، لأن المعيار في ذلك يكون دائماً بحسب الطريق الذي وقع عليه الحادث، هل هو طريق سريع من الطرق خارج المدن، أم داخل المدينة، حيث وفي أغلب الأحيان تكون حوادث الطرق السريعة أشد قسوة وأكثر فداحة في نتائجها، والتي دائماً تكون مأساوية .

وبالنسبة للعقوبات، فالمشرع لم يفرق في شأن العقوبة بين الحادث الذي تنجم عنه وفيات، والذي تنجم عنه إعاقات بدنية، أو حتى تلفيات مادية في الممتلكات، والفارق الوحيد يكمن في التعويضات التي يطالب بها ذوو الشأن عن الأضرار المادية والنفسية التي تترتب على الحادث، وفي جميع الأحوال فإن العقوبات تتراوح بين الغرامة والحبس، حيث إن المشرع دائماً يترك لقاضي الموضوع سلطة تقدير العقوبة المناسبة بين حديها الأدنى والأقصى، تبعاً للظروف الشخصية لمرتكب الحادث، وأيضاً الظروف المحيطة بالحادث نفسه، وما نجم عنه من أضرار .

ولتفادي الحوادث المرورية، أو التقليل منها بقدر الإمكان، لابد من التوعية والتوجيه العام لمستخدمي الطرق كافة، سواء قائدي المركبات أو الدراجات أو حتى المشاة، لأن أي حادث مروري يقع، يرجع السبب فيه لأخطاء مشتركة من جميع أطرافه، فيما لابد من تشديد العقوبات على مرتكبي الحوادث المرورية، في حالة الحوادث التي تقع بسبب الإخلال الجسيم بقواعد وآداب المرور، كتلك التي تقع بسبب الإهمال الشديد، والطيش الزائد، وبخاصة تجاوز الإشارات الضوئية الحمراء، أو تلك التي تقترن بجريمة أخرى، كتعاطي أية مواد مخلة بالعقل والقيادة تحت تأثير تلك المواد، أو الحوادث التي ينجم عنها إلحاق خسائر وأضرار فادحة بالممتلكات العامة، أو التي تقع بسبب السرعات الجنونية التي يقود بها بعض قائدي السيارات على الطرق السريعة .

حوادث الدهس

أيد المحامي سالم ساحوه سابقه في القول، مطالباً بتشديد عقوبات حوادث الدهس لتكون رادعاً لكل من يقود مركبته بطيش وإهمال، وقال: قضايا الحوادث المرورية البليغة، تزايدت بشكل كبير، لافتقار الشارع إلى الثقافة المرورية الواجبة، حيث لايلتزم العديد من قائدي المركبات بالصورة الصحيحة للقيادة الآمنة، إضافة لافتقار المشاة كذلك للثقافة المرورية، من ناحية عدم التقيد بأماكن السير والعبور الآمن، واتباع العلامات المرورية، فيما تتركز معظم الحوادث البليغة في دهس المارة، وفي المقابل أصبحت الرادارات مع كثرتها لا تشكل عائقاً امام المتهورين من مرتكبي الحوادث .

ولابد من المساواة في العقوبة بين كل من يخطئ مرورياً، من دون تفرقة، مع وجوب نشر الاحكام التي تصدر على أي من مرتكبي الحوادث المرورية في وسائل الإعلام المختلفة، لإعلام أفراد المجتمع بالعقوبات التي تنتظر كل من لا يتقيد بالنظم المرورية، وعلى الجهات الأمنية التوعية بقواعد المرور باللغات المختلفة، وتشديد الرقابة على الطرقات، لضبط الحركة المرورية، وتنظيم حملات مفاجئة للحاق بالمخالفين مرورياً .

صناديق تكافل

وعن إمكانية أن تخصص الجمعيات الخيرية في الدولة، بنداً مالياً لمساعدة أسر ضحايا الحوادث المرورية، الذي راح معيلها أو معيلتها، وأيضاً مساعدة من أصيبوا بإعاقات أعجزتهم عن الإيفاء باحتياجات ومتطلبات أسرهم، قال علي حسن العاصي رئيس لجنة الأسر المتعففة في دبي: بالفعل تلجأ الينا بعض الأسر التي تضررت من الحوادث المرورية، بفقد معيلها، أو إصابة أي من أفرادها بعاهة مستديمة أجلسته بيته مثالاً، أو من أدت إصابته في الحادث المروري إلى توقفه فترة عن عمله، وانقطاعه عنه إلى حين علاجه، ونحن نتعامل مع كل حالة، حسب ما تحتاجه كل أسرة نتيجة توقف المردود المالي لها، فضلاً عن ذلك فهناك لوم يقع على شركات التأمين التي لا توضح لكل مؤمن أهمية التأمين الشامل، الذي يتكفل به في العديد من الأمور حال تعرضه إلى حادث بليغ، لذا فعلى وزارة الاقتصاد إلزام شركات التأمين، برفع قيمة التعويضات التي تصرفها للمؤمنين على مركباتهم، حال تعرضهم لحوادث بليغة، أدت إلى إصابتهم بإعاقات أعجزتهم عن العمل، ولابد من سن قانون في هذا الصدد، حتى إذا تعرض أحد إلى حادث مروري حفظت حقوقه .

ولابد من إنشاء صناديق تكافل اجتماعي، يقوم عليها عدد من الفعاليات المجتمعية، من المشهود لهم بالنزاهة والخبرة في مجال الاستثمار، ويشارك فيها أصحاب القطاعات المهنية كافة، كل بنسبة مادية حسب مقدرته المالية، وهذه الصناديق يمكن أن تجمع الأموال باشتراكات شهرية منتظمة، وحال تعرض أحد إلى إصابة بليغة من حادث مروري أو غيره، يمكن أن يتكفل الصندوق بمعيشته إلى حين عودته إلى عمله، أو إلى حين علاجه .

والحقيقة لدينا بند مالي خاص لمساعدة المصابين في الحوادث المرورية البليغة، لمساعدتهم على تدبير شؤون حياتهم من تسديد إيجارات مساكنهم، ورسوم مدارس أبنائهم وغيرها، من شراء الأطعمة، والاحتياجات الأساسية لهم، أما أسر وفيات الحوادث، فنتعامل معها على أساس أن مقدمة الطلب أرملة وتعيل أيتاماً، وتندرج مساعدتنا لها ضمن برنامج مساعدة الأرامل، وبشكل محدد فنسبة 6% من إجمالي مساعدات الجمعية تذهب للمصابين بإعاقات نتيجة حوادث مرورية، فيما من الحالات الإنسانية التي تكفلت بها الجمعية، احدى الطالبات الخليجيات التي تدرس في إحدى جامعات الدولة، والتي تعرض والدها وشقيقها لحادث مروري بليغ توفيا على إثره، فتولت لجنة الأسر المتعففة تسديد تكاليف دراستها لمدة عام .

وأعتقد أن مواجهة الحوادث المرورية، تستوجب الوقوف على الأسباب الحقيقية التي تؤدي إلى وقوعها، والتي منها مايتعلق بفنيات السيارة، أو بالسرعة والتهور، وتعاطي الخمور والمخدرات، إضافة إلى بعض الأسباب النفسية والاجتماعية الأخرى، ولابد من تقنين منح رخص القيادة لأي كان، مهما كان الشخص على دراية تامة بها، وإجراء دراسات علمية، من قبل باحثين متخصصين، لتفنيد الدوافع المختلفة التي تؤدي إلى وقوع الحوادث المفجعة، وأيضاً على وسائل الإعلام تنظيم ندوة تجمع المتخصصين في المجال المروري، لمناقشة أبعاد وجوانب المشكلة المرورية في الدولة، وطرح مجموعة من الرؤى ووجهات النظر الموضوعية حول الحلول الممكنة لتقليص حجم الحوادث التي تترتب عليها .

الوعي المجتمعي

ومن جانبه قال عبدالله بن خادم المدير التنفيذي لجمعية الشارقة الخيرية: بشكل عام الجمعية من أهدافها مساعدة أي ممن يتقدم إليها طالباً المساعدة، كما تقدم المساعدة لمن يصل إلى علمها حاجته لذلك، سواء كان من أسر ضحايا الحوادث، أو المحتاجين إجمالاً ممن تنطبق عليهم شروط الحصول على المساعدات، فيما لا يمكنها تخصيص بند مادي لأسر ضحايا الحوادث، لأن المساعدة تستهدف تخفيف كربة من كرب المحتاجين بشكل عام، وبالتالي فلاتستطيع مطالبة إدارات المرور باعلامها بضحايا الحوادث لمساعدة أسرهم، في حين إذا تقدم لها أي من المحتاجين فعلياً ستساعده على الفور، بصرف النظر إذا كان من المصابين في الحوادث المرورية أو من غيرهم .

ولتقليص حجم الحوادث المرورية، لابد من زيادة الوعي المجتمعي بأهمية الالتزام بالقواعد والنظم المرورية، ومن الضروري عدم منح رخصة القيادة إلا لمن يمتلك الوعي والثقافة المرورية، والمستوى الثقافي والتعليمي الجيد، بحيث يجب عدم منحها للجاهل أو الأمي، وعلى إدارات المرور إجراء دراسات نفسية حول من يستحقون الحصول على الرخص من عدمها، سواء كانوا مواطنين أو مقيمين، حيث من المتقدمين للحصول على رخص، من يعانون من اضطرابات نفسية، لا يستطيعون بسببها من التعامل مع المركبات على الطرق، ولابد أيضاً من التشديد على أولياء الأمور بعدم السماح للأبناء الصغار من قيادة المركبات، مهما كانوا من الإلحاح في ذلك .

عقدة الذنب

للحوادث المرورية تبعات نفسية واجتماعية عدة، تتحدث عنها د . آمال حجازي، الأستاذة في الصحة النفسية، في قولها: عقدة الذنب من أكبر الآثار النفسية المترتبة على الحوادث المرورية، حال تسبب الأب مثلاً الذي كان يقود السيارة في حادث مروري، نجم عنه وفاة أحد من أفراد أسرته الذي كان بصحبته، حيث سيظل ولفترة طويلة من الزمن قد تصل إلى سنوات، يعاني من هذه العقدة، الذي قد يشفى منها مع الوقت، وقد تبقى ملازمة له، ومن الآثار كذلك شعور الخوف الذي قد ينتاب السائق الذي تسبب في وقوع حادث مروري، من انتقام أسر من توفوا في الحادث، ويظل الخوف مصاحباً له، إضافة إلى عدم مسامحته لنفسه كذلك، علاوة على عدم مغفرة الوسط الاجتماعي لمرتكبي الحوادث المرورية، حيث تظل دوماً ملامتهم ظاهرة في أعين من يحيطون بهم، حتى وان كان الحادث عرضياً، وقع صدفة، ومن دون إهمال منهم بالقواعد والنظم المرورية .

وهناك حالة نفسية مريرة يعيشها من تعرضوا لحوادث مرورية، لاسيما من لحقت بهم أضرار بليغة منها، فقدوا على إثرها أجزاء من اجسامهم، وأصيبوا بالتالي بإعاقات وعجز جسماني، علاوة على غيرها من الآثار التي تصيب من شاهدوا الحوادث البليغة لحظة وقوعها، بما ترتب عليها من وفيات، حيث يصاب الواحد من هؤلاء بالشرود الذهني، والتوتر، والعجز عن التفكير السليم، وضعف الفاعلية تجاه أي نشاط، وأيضاً هناك الآثار المادية التي تقع على مرتكب الحادث، الذي تضررت بسببه مركبته، من خوفه من العقوبة التي سيتعرض لها، إضافة إلى لهاثه وراء شركة التأمين المؤمن سيارته لديها لتسديد الدية المستحقة لمن تسبب في وفاتهم، والى غير ذلك .

وعلى مستوى الأسرة، فإصابة معيلها مثلاً بإصابة بليغة في حادث مروري، تعد معاناة كبيرة واقعة عليها، إذ لابد لها من مؤازرته، والوقوف إلى جانبه، ودعمه واعانته على تحمل ماقد يكون قد ألم به من عجز، وفي كل الأحوال لابد من التأهيل البدني والمهني والنفسي لمن أصيبوا بإعاقات جراء حوادث مرورية تعرضوا لها، فيما من الضروري اتخاذ إجراءات مشددة ضد كل من يرتكب حادثاً مرورياً، لأن الخسائر البشرية من هذه الحوادث كثيرة، والمؤسف أن معظم ضحاياها من الشباب المواطنين صغار السن، الذين هم في سن العمل والانتاج والفاعلية، والذي من الواجب الحفاظ عليهم، كونهم يمثلون الثروة البشرية الحقيقية للدولة .

العقوبة المؤثرة

عدد غير قليل من معاقي الحوادث المرورية، يقبعون تحت مظلة جمعية أولياء أمور المعاقين، عن نسبتهم قال المستشار علي الرضوان رئيس مجلس إدارة أولياء أمور المعاقين: نسبة 10% من أعضاء الجمعية يعانون من إعاقات نتيجة تعرضهم، أو تسببهم في حوادث مرورية، ومنهم فتاة فقدت والدها ووالدتها في حادث مروري، وأصيبت بالشلل النصفي، وأصبحت مقعدة تستخدم كرسياً متحركاً، ومن المؤسف زيادة عدد الحوادث المرورية البليغة، والإعاقات التي تسفر عنها، بما يستوجب إعادة النظر في العقوبات المقررة عليها، والتي أصبحت غيرمؤثرة إلى حد ما، فالغرامة يستطيع الجميع تسديدها، وأيضاً فشركات التأمين تتحمل عبء تسديد الديات المستحقة لوفيات الحوادث المرورية، لذا فمن الضروري أن تكون العقوبات عملية، بأن يحكم القاضي بجلد المتسبب في أي حادث مروري، لكونه من العقوبات البدنية المؤثرة في الفرد .

ومن الممكن أن يكون هناك قاض مناوب، للحكم بالجلد بشكل فوري ومباشر على مرتكبي الحوادث المرورية، في الوقت والمكان ذاته الذي وقع فيه الحادث، لأنهم بمثابة مجرمي الطرق، الذين لم يراعوا حرماتها، وأعتقد أن الحكم على المتسببب في أي حادث مروري بعقوبة مهينة، ستباعد بينه وبين تكراره فعلته، في حين يعود السبب المباشر في تزايد معدلات الحوادث المرورية، إلى الشباب الطائش، والفراغ الذي يعاني منه، فضلاً عن ضعف الوازع الديني لدى معظمهم، لأن الدين أخلاقيات، ولايمكن أن يكون الفرد قد تربي جيداً على السلوكيات الصحيحة، ويقود مثلاً بتهور وإهمال، علاوة على أن الشخص المستقيم من الصعوبة بمكان عليه، أن لا يتقيد بالنظم المعمول بها في أي مجال .

إصابات العظام

تعتبر إصابات العظام التي تؤدي إلى إعاقات شبه كاملة، من أخطر ما تسفر عنه الحوادث المرورية البليغة، وعن ذلك قال د . كريم عطارة استشاري جراحة العظام والعمود الفقري: إصابات الرأس والصدر والبطن، تنجم عن الحوادث المرورية التي تقع نتيجة القيادة بسرعة زائدة، من دون التقيد بربط حزام الأمان، وهذه الإصابات من الممكن أن تؤدي إلى الوفاة، جراء النزيف الذي يتأتى عنها، وهناك أيضاً إصابات العمود الفقري، والأطراف العلوية والسفلية، التي تؤدي إلى شلل، أو بتر في هذه الاطراف، وأيضاً قد تحدث شللاً كاملاً، أو رباعياً، حيث تشل الأعصاب الحسية والحركية، مع عدم القدرة على التحكم في التبول والتبرز، وذلك إذا حدثت الإصابة في العمود الفقري العنقي .

وإذا حدث قطع في الحبل الشوكي للمصاب في حادث مروري، لا يكون هناك علاجاً للحالة، أما إذا حدث ضغط فقط على الحبل الشوكي من دون قطع، فمن الممكن إجراء جراحات لرفع هذا الضغط عن النخاع الشوكي، ويبدأ الأمل في الشفاء، لكنه يكون بطيئاً، وقد يستغرق 18 شهراً، ومن الممكن أن يشفى المصاب جزئياً، لذا وبشكل عام لابد من تجنب السرعة أثناء القيادة، والالتزام بربط حزام الأمان، وتجنب التحدث في الهاتف المحمول، سواء باستخدام السماعات، أو من دونها، لما لها من دور في ضياع تركيز قائد المركبة، وتشتت انتباهه عن الطريق .

تأهيل مجتمعي

قال حيدر أربيع مدير عام مشاريع الثقة لتأهيل وتشغيل ذوي الإعاقة: انتقال الفرد إلى عالم الإعاقة جراء حادث مروري، يكون مفاجئاً له، ويتعامل معه المجتمع على أنه مريض، وسيتم شفاؤه لاحقاً، كما يأمل المعاق لنفسه، لذا فلا يتم تأهيله للتكيف مع وضعه المستجد، في ضوء حاجته إلى تعلم جميع أساسيات حياته الجديدة، وكيفية القيام بالأمور اليومية الاعتيادية، التي يصبح من الصعوبة بمكان أداؤها، والحقيقة فلا توجد مراكز تأهيل مجتمعية تكون بمثابة حلقة الوصل مابين المستشفيات، ومراكز المعاقين، وتتولى تأهيل المعاق على كيفية الانتقال من وضعه الصحي والحياتي السابق، إلى ما أصبح عليه، ولقد طالبنا مرات عدة في الأعوام الماضية، بإنشاء مثل هذه المراكز التي لا توجد في الدولة، ولا في أغلب الدول العربية .

والمشاهدات الواقعية تقول إنه بعد خروج المعاق من المستشفى يضطر إلى التقوقع في منزله، أو يبقى في المستشفى لمدة طويلة، حيث توجد حالات مقيمة بشكل شبه دائم في مركز أبوظبي للتأهيل الطبي وغيره، وهؤلاء ولكونهم لا يستطيعون التعامل مع إعاقاتهم يصابون بالانطواء، وينعزلون بصورة شبه كاملة، عن العالم الخارجي، وبالتالي يخسر المجتمع مجموعة من الكفاءات التي كان من الممكن أن تعمل وتفيده، فضلاً عن اليأس الذي يعتري أسرة المعاق لحزنها عليه، وعلى مستقبله الذي أضاعه الحادث المروري .

وللأسف فمشاريع الثقة للمعاقين، تضم حالتين فقط لمعاقي حوادث مرورية، في حين لا يمكنها الاستدلال على العديدين غيرهم، نظراً لأنه لا توجد على مستوى الدولة، إحصاءات عن عدد معاقي الحوادث المرورية بشكل عام، مما يسهم في صعوبة الوصول اليهم في أماكنهم وتقديم خدمة لهم، فضلاً عن رفض أسر معظم معاقي الحوادث المرورية، خروجهم من المنازل، واندماجهم في سوق العمل، بزعم توفيرها لهم ما يحتاجونه من أجهزة تواصل خارجي، كأجهزة التلفزيون، والإنترنت، وغيرها من الخدم وخلافه، بما يؤدي إلى تدمير حياتهم بالكامل .

والحقيقة فمعاقي الحوادث المرورية البليغة عددهم كبير نسبياً، من واقع ما يقع من هذه الحوادث يومياً، والمؤسف كما أسلفنا القول إنهم من الفئات المجتمعية المهمة، التي من الممكن الاستفادة من إمكاناتهم وقدراتهم السابقة، إذا تم إعادة دمجهم مجتمعياً، بدلاً من إهدار طاقاتهم .

ما الذي استفدته؟

قال بحزن، وبكلمات باكية، وهو يجلس على مقعده المتحرك، الذي انتهى إليه وضعه الحياتي ككل، جراء الحادث المروري الذي تسبب في وقوعه، أثناء قيادته بسرعة كبيرة، على أحد الطرق الداخلية، من دون اهتمام، أو مراعاة للسرعات المحددة للسير: أشعر بالم بالغ، كلما نظرت لنفسي أجدني وقد أصبح المقعد المتحرك جزءاً لا يتجزأ من الواقع الذي أصبحت عليه، فبعدما كنت شاباً رياضياً، لا أفارق المرح أو الفرح، أصبحت مقعداً عن العمل، والتفكير في المستقبل، وحتى عن الحلم بغد جديد، ومختلف عن أيامي الحالية، التي تشابهت في نواحيها كافة إلى حد التطابق، فلا أمل آتٍ، ولا تمني قائم، ولا انفراجة قادمة، فملامح الأشياء كافة اسودت في عيني، إذ لا أستطيع اليوم تكوين أسرة، ولا القيام حتى بأموري الشخصية من دون مساعدة من أسرتي .

وكلما عدت بذاكرتي إلى اليوم المشؤوم الذي فقدت فيه قدرتي على الحركة، إثر الحادث الذي ارتكبته عن طيش وإهمال، ولامبالاة بالنظم المرورية، قفزت على الفور إلى عيني صورة تدهور سيارتي لأكثر من مرة وأنا بداخلها، عاجز عن الصراخ، مغمض العين، فزع مما حدث، إلى أن استقرت، وأصوات أبواق الشرطة تحيط بالمكان، ورجالها يقصون حديد السيارة ليخرجوني منها، والدماء تغطي أجزاء متعددة من جسدي، لأستقر بعدها ولفترة لا أستطيع تحديدها في إحدى المستشفيات، إلى أن شفيت جروحي، لكن آلامي النفسية لن تبرحني ماحييت، فاليوم أصبحت عاجزاً، كسيحاً، فما الذي استفدته إذن من تهوري الذي عندما أفكر أجد أنه لم يكن له مبرر على الإطلاق .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"