أوراق أفغانستان.. وثائق «أم الفضائح»

02:58 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

لا يستطيع الأمريكيون مقاومة إغراء الفضائح لاسيما السياسية. هناك دائماً فضيحة تطارد رئيساً أو مسؤولاً أو نجماً شهيراً. وإن لم تكن هناك فضيحة متفجرة فمن المؤكد أن واحدة تختمر في انتظار لحظة الإطلاق المدوي. تلهث وسائل الإعلام وراء هذا النوع من الأخبار، وتنقّب بلا كلل في حاضر وماضي المشاهير للعثور على ضالتها المنشودة، إرضاء للرأي العام الذي أدمن تلك الأنباء الملوثة.
كان يفترض أن يكون الرئيس دونالد ترامب هو نجم مسلسل الفضائح في الموسم الحالي، ولديه رصيد ضخم من الأفعال على المستويين الشخصي والسياسي يؤهله لاحتلال هذا المنصب بلا منافس، غير أن صحيفة «واشنطن بوست» سلطت الأضواء بعيداً عنه ولو مؤقتاً، بتفجيرها «أم الفضائح» التي يتراجع أمامها أي حديث عن تجاوزات سياسية أو أخلاقية لترامب؛ بل طغت أخبارها حتى على معركة محاكمته.
يوم الاثنين الماضي نشرت الصحيفة معلومات بالغة الأهمية عن حرب أفغانستان المستمرة منذ 18 عاماً. وقد حصلت عليها بعد معركة قضائية مع الحكومة لمدة 3 سنوات.
تحوي الوثائق المكونة من نحو ألفي صفحة نصوص مقابلات أجراها مكتب المفتش العام لإعادة الإعمار في أفغانستان مع قادة سياسيين وعسكريين، إضافة إلى تقارير سرية أخرى.
وتكشف الوثاق أن الإدارات المتعاقبة ابتداء من جورج بوش الابن، ثم باراك أوباما، وأخيراً ترامب، مارست كافة أشكال الكذب والتضليل وتشويه المعلومات لحجب الحقائق عن الشعب الأمريكي، وتقديم صورة زائفة عن حدوث تقدم وانتصار. قائمة المتورطين تشمل أيضاً عشرات الجنرالات سواء الميدانيين في أفغانستان أو في وزارة الدفاع بواشنطن، فضلاً عن أعداد كبيرة من الدبلوماسيين والسياسيين كلهم شاركوا في الكذب والتضليل عن عمد.
ولم تكن مصادفة أن تطلق الصحيفة على الوثائق اسم «أوراق أفغانستان» على غرار «أوراق فيتنام»، وهي الوثاق التي نشرتها الصحف عام 1971، وكشفت أسرار تلك الحرب. وتوضح الوثائق الجديدة أنه تم استخدام نفس التكتيكات القديمة لتسويق الحرب الأفغانية وترويج الأكاذيب والخداع على نحو ما حدث في حرب فيتنام، ولذلك أطلقت الصحيفة على الملف اسم حرب ضد الحقيقية، وهناك أمثلة لا حصر لها تُثبت ذلك.
ومن يطلع على المعلومات المنشورة لأقوال القادة السياسيين والعسكريين يُذهله الأسلوب الذي أدارت به الولايات المتحدة هذه الحرب، وهي الأطول في تاريخها، وكيف أنها لجأت لأساليب وحيل لا تليق بدولة ديمقراطية عظمى.
وبعيداً عن التردي الأخلاقي المتمثل في الكذب المتعمد وخداع الشعب، تكشف الوثاق فضيحة أخرى مدوية، هي أن تلك القوة العظمى تخوض حرباً منذ بدايتها بلا استراتيجية واضحة ومحددة؛ لذلك ظل الهدف منها غامضاً ويحدده كل طرف على هواه. تقول الأوراق إن البعض في واشنطن اعتبر الحرب فرصة لتأسيس دولة ديمقراطية، بينما اعتبرها آخرون مهمة لتغيير الثقافة الأفغانية ومنح المرأة حقوقها، في حين كان هناك فريق يرى أنها ضرورة لتصحيح توازنات القوى الإقليمية.
وفي ظل غموض الهدف كان من الطبيعي أن تتضارب الرؤية حول من هو العدو الذي يجب القضاء عليه. تكشف الوثاق أن القادة الميدانيين كانوا يتساءلون: هل يكون عدوهم حركة طالبان أم القاعدة أم «داعش» أو أمراء الحرب؟ ولم تكن الحكومة تجيب؛ بل إن هناك مذكرة بتوقيع دونالد رامسفيلد وزير الدفاع؛ مهندس الحرب في إدارة بوش يتساءل فيها: «من هم الأشرار أو السيئون؟» على الرغم من أنه الشخص المنوط به تحديد العدو المستهدف.
مع كل تلك العشوائية كان لا بد من إساءة استخدام الأموال الطائلة التي أهدرتها أمريكا على الحرب والتي تقدر بأكثر من تريليون دولار.
وتنسب وثيقة تصريحاً إلى ريان كروكر السفير السابق في كابول يقول فيها: «مشروعنا الأكبر والوحيد بكل أسى، هو تطوير الفساد الجماعي». وبالفعل تفيض الأوراق بتفاصيل هائلة عن تبديد الأموال. أكثر ما يثير الدهشة، هو أنه على الرغم من الأكاذيب والفشل العسكري وإهدار المليارات وعلى الرغم من الدماء المراقة، لم تتم محاسبة أحد حتى الآن.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"