عادي

التسوية السياسية هي الحل في أفغانستان

04:41 صباحا
قراءة 5 دقائق

حذّر وزير الخارجية البريطاني السابق، ديفيد مليباند في مقالة نشرها في صحيفة نيويورك تايمز (12/4/2011)، من أن تؤدي الأحداث الجسام في الشرق الأوسط إلى إهمال الحرب في أفغانستان، وتحويلها إلى حرب منسية . .

وانتقد الاستراتيجية التي تقودها الولايات المتحدة في أفغانستان، وقال إن الاكتفاء بسحب القوات الغربية من ذلك البلد بحلول سنة ،2014 كما هو مقرر، لن يحل القضية . . والبديل في نظره، حل سياسي، تتولاه الأمم المتحدة، التي عليها أن تعيّن وسيطاً مسلماً قادراً على التفاوض مع طالبان، بالإضافة إلى الأطراف الأخرى .

يرى مليباند في مستهلّ مقالته، أن هنالك دلائل على تحوّل جوهري في السياسة الأمريكية إزاء أفغانستان . فقد تحدثت وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلنتون في فبراير/ شباط عن تصعيد سياسي . وقال كبير ممثلي حلف الناتو المدنيين، مارك سيدويل، الشهر الماضي إن الوقت ملائم الآن للمجازفة وتنفيذ الأجندة السياسية بالقدر ذاته من النشاط الذي مارسنا به التصعيدين العسكري والمدني . ويعتبر مليباند مثل هذا العدول عن التركيز على العمليات العسكرية، منطلقاً ملائماً لطرح خطته لحل الصراع في أفغانستان .

يقول، إن الموعد النهائي للانسحاب الذي حدده الناتو بسنة ،2014 سيكون وهماً خادعاً، ما لم تكن هنالك لعبة نهاية، أي خطة لمرحلة لإنهاء القضية . ويجب أن تكون تلك المرحلة مفاوضات، تشارك فيها القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة، مع جميع الفصائل في الصراع الأفغاني، وأنصارها في المنطقة .

ويقول إن القضية لا تنحصر في أن الذراع السياسية لثالوث الدفاع- التنمية- الدبلوماسية، كانت غائبة عن العمل . فالتسوية السياسية ليست جزءاً من استراتيجية متشعبة لمكافحة التمرد؛ بل هي الإطار الشامل الذي يجد كل شيء آخر مكاناً له داخله، والذي يعمل كل شيء آخر لخدمته .

ويشرح مليباند تفاصيل خطته فيقول، الأمر الأول والأهم، أن يعيّن مجلس الأمن، وسيطاً تابعاً للأمم المتحدة، ويمنحه الصلاحيات الكاملة، لكي يسهل إجراء المفاوضات، ويعطيه تفويضاً واضحاً لوضع مباديء المرحلة النهائية، وتوجيه دعوة مفتوحة إلى جميع الأطراف للمشاركة .

ويمضي قائلاً، إن الوسيط ينبغي أن يأتي من العالم الإسلامي . وأن تكون وظيفته استطلاع آراء جميع الأطراف، وخلق الثقة، والالتزام، بعملية ترمي إلى إجراء محادثات جادة حول مستقبل أفغانستان . وينبغي عليه في البداية أن يطور فكرة العثور على مكان آمن في دولة ثالثة- كأن يكون إحدى دول الخليج العربية، أو تركيا، أو اليابان- لكي تتحادث جميع الأطراف فيه .

ويرى مليباند، أن الخطة تقتضي كذلك أن يقوم كل طرف بخطوات تنم عن حسن نواياه، ويعني ذلك الالتفات إلى بعض مطالب طالبان، التي تريد إنهاء الغارات الليلية، وممرا آمناً إلى مكان المحادثات ومنه، وإطلاقَ سراح السجناء . . أمّا إثبات حسن النوايا من جانب طالبان، فيمكن أن يشتمل على وقف إطلاق النار في مناطق معينة، وتوفير الأمن لمشروعات التنمية، على غرار ما حدث في حملات التطعيم ضد شلل الأطفال التي ساندتها طالبان في الماضي، وإعلان من طالبان عن قطع علاقتها بحركة القاعدة . .

وقد عبّر مليباند عن هذه الأفكار مرة أخرى، في مقالة نشرها في صحيفة ذي صن (13/4/2011)، وقال فيها: جميعنا نريد عودة جنودنا في أسرع وقت ممكن . وقد وضعت الحكومة جدولاً زمنياً يعود جنودنا بمقتضاه في 2014 . وحزب العمال يؤيد ذلك . ولكن تحديد موعد نهائي للانسحاب، شيء، ووضع خطة لمرحلة نهائية، شيء آخر . . وسيكون الموعد النهائي وهماً خادعاً في غياب مثل تلك الخطة .

ويضيف قائلاً: هنالك طريقة وحيدة لإنهاء الحرب - هي التحدث مع العدو . وكلما طال تأخير ذلك، كلما عظمت المخاطر . .

ولا يرى مليباند في التفاوض أي غضاضة، فقد قال الرئيس الأمريكي الأسبق، جون كنيدي قبل خمسين سنة: لا ينبغي أن نتفاوض بدافع الخوف، ولكننا لن نخاف من أن نتفاوض . ويقول مليباند: علينا اليوم أن نعتني بتلك النصيحة .

وفي صحيفة الغارديان (12/4/2011)، كتبت الليغرا ستراتون، (المراسلة السياسية للصحيفة)، وسيمون تيسدال، (مساعد مدير تحرير الصحيفة)، أن مقالة مليباند تأتي بعد تنبؤات شخصيات عسكرية رفيعة المستوى بصيف قادم حافل بالقتال الشرس . ويتناغم تقويم مليباند للوضع مع رأي مسؤولين باكستانيين كبار، يشعرون بأن من المحتمل أن تُستبدَل النهاية الوشيكة للحملة العسكرية الدولية في أفغانستان بعملية سياسية صغيرة .

كما يعكس رأي مليباند، الشعور في أوساط الحكومة البريطانية، بأن السياسة الأمريكية في أفغانستان، تخضع لهيمنة الجيش التامة، في ظل الجنرال ديفيد بترايوس، وأن الجهود الأمريكية لإشراك طالبان دبلوماسياً لم تحرز تقدماً كبيراً حتى الآن، على الرغم من الحديث الكثير عن المحادثات . ويرى الكاتبان أن انتقاد مليباند للحملة في أفغانستان بقيادة الولايات المتحدة، يدلّ على تغير في علاقة الدعم البريطاني للولايات المتحدة، التي كان يمارسها مليباند عندما كان وزيراً للخارجية، يوم كانت العلاقات مع وزيرة الخارجية الأمريكية مشهورة بقوتها ومتانتها .

وفي مجلة فورين بوليسي (13/4/2011)، كتب كريستيان كاريل يدور كثير من الحديث في العديد من عواصم العالم في الوقت الحاضر، عن الحاجة إلى صفقة سلام أفغانية . فقد أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلنتون مؤخراً، أن الحرب في أفغانستان لا يمكن كسبها بالوسائل العسكرية وحدها . . .ويسرّب المسؤولون في أنقرة فكرة السماح لطالبان بفتح مكتب لها في تركيا، يمنحها عنواناً رسمياً لإجراء المحادثات . وفي كابول ذاتها، تنتهز حكومة حامد قرضاي كل فرصة لتعرب عن رغبتها في التفاوض . .

ويضيف الكاتب: كان آخر صوت انضم إلى حملة السلام، وزير خارجية بريطانيا السابق، ديفيد مليباند؛ الذي لا يزال عضواً في البرلمان عن حزب العمال . وهو يدفع باتجاه ما يسميه تسوية سياسية شاملة لإنهاء الحرب . ويعرب عن اعتقاده بأن ذلك ينبغي ألا يُترَك للأمريكيين لكي يتفاوضوا عليه وحدهم . ويتمنى أن يرى وسيط الأمم المتحدة مخولاً السلطة للإشراف على عميلة واسعة تسمح بالمشاركة الفعالة من قبل جميع الأطراف الأفغانية، بما فيها طالبان- وتشتمل كذلك على آلية لمناقشة المصالح المشروعة للقوى الإقليمية .

ويرى الكاتب، أن مليباند يفترض أن طالبان راغبة في السلام، ومستعدة للتفاوض من أجله، ولكن الكاتب يشكك في ذلك، ويشير إلى متانة العلاقة بين طالبان وحركة القاعدة .

وفي موقع راديو صوت روسيا (14/4/2011)، كتب سيرجي ساينكو: لا يمكن القول إن هذه التصريحات جاءت مفاجئة، إذا أخذنا في الاعتبار كمية الانتقاد الموجه إلى حملة التحالف الغربي في أفغانستان، والدعوات العديدة إلى تسوية سياسية . . ومليباند، بوصفه عضواً في المعارضة، يستطيع أن يعبر عن رأيه بسهولة في الطرق الممكنة لحل مشكلة أفغانستان، ولكن لا نستطيع إلاّ أن نتساءل: أين كان قبل ذلك؟ لماذا لم يكن لديه مثل هذا الحماس عندما كان وزيراً لخارجية بريطانيا؟

ويضيف الكاتب: يكفي أن نتذكر أن حكومة توني بلير العمالية هي التي جرّت بريطانيا العظمى إلى المغامرة الأمريكية في أفغانستان سنة ،2001 وكان ديفيد مليباند عضواً بارزاً في تلك الوزارة لسنوات عدة، ولذا يمكن اعتباره مسؤولاً إلى حدّ بعيد عن الوضع الحالي في أفغانستان .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"