لعبة إشعال حرائق محدودة

03:38 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

اتسمت المواجهة الإيرانية الأمريكية الحالية ببعض الهدوء، في الأسبوع الماضي مع تأكيدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن بلاده لا تريد حرباً مع إيران، ثم بروز أصوات من داخل إيران تدعو إلى التفاوض مع واشنطن. وواقع الحال أن التحشيد العسكري قد وصل إلى نقطة حساسة، ينذر بمواجهة محدودة، غير أن صانعي القرارات على الجانبين باتا يسعيان في هذه المرحلة إلى محاولة اللجوء إلى الدبلوماسية، لتحقيق ما تم السعي إلى تحقيقه بالتحشيد والتهديد، وهو ما دفع إلى التراجع ومراجعة الحسابات والسياسات.
وقد لوّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أثناء استقباله رئيس وزراء النمسا ألكسندر فان دير بيلن في موسكو قبل أيام، بأن بلاده لا يمكنها لعب دور إطفائي حرائق دائماً، لأن الأمر كما قال لا يتعلق بموقف بلاده فقط، بل بموقف الطرفين المتنازعين. وهذه الإشارة الروسية رغم الصيغة الملتبسة التي وردت فيها، إلا أنها تشي بدور أو استعداد لدور روسي محتمل في تبريد التوتر الإيراني الأمريكي، إذا ما طلب الطرفان ذلك.
وإذ تستقر قناعة كثيرين بأن مواجهة شاملة أو حتى واسعة، غير واردة بين الجانبين في الأفق المنظور، فإن الجانب الإيراني يظل محتفظاً بنزعته في إدارة حرائق جانبية، بعيداً عن حدوده، للتدليل على أن نفوذه باقٍ ومستمر، وللإيحاء للجانب الأمريكي ودول المنطقة بأن لديه ما يمكنه فعله عبر وكلائه، ومن أجل الضغط لعقد مفاوضات في ظل التوتير.
يضاف إلى هذا ما نسبه أكثر من مصدر إلى قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني عن توجيهات من طرفه لميليشيات في العراق تدور في الفلك الإيراني بالاستعداد لما سمّاه بالحرب. وهو ما حمل وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو للتوجه إلى بغداد، والتحذير من هذه التوجهات. وهو ما وضع الحكومة العراقية في حالة حرجة، وذلك نظراً للنفوذ الذي تتمتع به الميليشيات هناك، ومدى تأثيرها في خيارات الحكم العراقي.
وفضلاً عمّا تقدم، فإن ميليشيات الحوثيين في اليمن تجد في هذا الظرف فرصة للتمادي في إغلاق الطرق أمام الحلول التي تعيد الشرعية إلى هذا البلد، ومحاولة تعكير أمن دول المنطقة، وهي سياسة ليست جديدة، إذ إنها تقع في صلب الصراع الدائر، لكنها قد تستغل التوتر الإيراني الأمريكي لتنفيذ مغامرات بائسة جديدة، بعضها خارج حدود اليمن، إلا أن الضغط العسكري المتواصل للجيش اليمني والمقاومة اليمنية بإسناد من التحالف العربي، من شأنه تقويض مخططات الانقلابيين وأسيادهم، ممن شاؤوا جعل اليمن العربي ساحة نفوذ لهم لتمزيق نسيجه الوطني والاجتماعي، واتخاذ اليمن منصة لتهديد دول الجوار.
وعلى هذا النحو، ومع الانضباط الطارئ على إيقاع التوتر الأمريكي والإيراني، فإن المحاذير تظل قائمة من اللعبة الإيرانية في إشعال حرائق محدودة خارج الحدود، عبر وكلائها وميليشياتها التي أنشئت في الأصل للعب مثل هذه الأدوار التخريبية، ومحاولة زرع الفتنة والفوضى، هنا وهناك. وجعل المنطقة تعيش على إيقاع توتر شبه دائم. ومن المثير أن التهديدات الإيرانية اللفظية تتوجه نحو أمريكا، أما الممارسات الفعلية، فتتجه نحو دول المنطقة وشعوبها. كما هو حال الحوثيين الذين يهتفون بشعارات: تسقط أمريكا.. تسقط إسرائيل، فيما آلة حربهم تتجه نحو المجتمع اليمني والدولة اليمنية.
وإذ تتفادى طهران أية مواجهة مع أمريكا أو «إسرائيل»، فإنها تستسهل تنفيذ أعمال عدائية ضد دول المنطقة، من أجل خلط الأوراق، بما يجعل لجم هذه الاعتداءات واجباً يقع على المجتمع الدولي، هذا مع الثقة بمنعة الجبهات الداخلية في وجه هذه الاعتداءات الآثمة التي بات العالم يعرف مصدرها ومحرّكها، وأهدافها الخبيثة، وذلك في محاولة إشعال حرائق «صغيرة» هنا وهناك، والإيهام في الوقت نفسه بأن ملف التوتر الإيراني الأمريكي قابل للتبريد، بل وأن الفرصة متاحة لمفاوضات جدية بين طهران وواشنطن تبعد شبح المواجهة! وهي لعبة تستحق اليقظة التامة إزاءها، وعمل كل ما في المستطاع، وهو كثير، لدحرها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"