الكل يخسر في حرب الحلفاء

05:05 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

عندما تأتي الطعنة من صديق تكون المفاجأة أكبر والصدمة أفدح والألم أشد. هذا ما شعرت به وعبرت عنه الدول الصديقة للولايات المتحدة عندما داهمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقراره المباغت بفرض رسوم جمركية على صادراتها من الصلب والألمينيوم إلى بلاده. آخر ما كانت تتوقعه دول حليفة مثل بلدان الاتحاد الأوروبي، وكندا، والمكسيك أن تتعامل معها واشنطن بنفس الطريقة التي تعاملت بها مع الصين غريمتها الاقتصادية ومنافستها الاستراتيجية.
في كل الأحوال تبقى المعارضة التي أبداها الحلفاء للقرار الأمريكي مفهومة على ضوء الأضرار المؤكدة التي ستتكبدها اقتصادياتهم. أما الذي يحتاج إلى شرح حقيقي فهو المعارضة الجارفة التي قوبل بها القرار من قطاع كبير من الاقتصاديين الأمريكيين رغم أن الإدارة لم تدخر جهداً في تسويقه كإجراء وطني لحماية الأمن القومي، ودعم الاقتصاد، وخلق فرص عمل.
ودون أن نتجاهل وجود مؤيدين في الداخل، نجد أن التوقف أمام مبررات المعارضين ضرورية لفهم جوانب مهمة من أبعاد الخطوة الأمريكية وتأثيراتها المحتملة. سنكتفي بعرض آراء اثنين فقط من الاقتصاديين رفيعي المستوى، وكلاهما يكشف عورات القرار الأخير وإلى أي حد سيدفع المواطن الأمريكي ثمناً فادحاً له.
المحاولة الأولى تصدت لها جينيفر هيلمان أستاذة القانون في جامعة جورج تاون، والمسؤولة السابقة في مكتب المنازعات بالمنظمة التجارية العالمية. تصف هيلمان القرار الأخير بالمتهور وترفض بشدة التبرير الذي ساقته الإدارة وهو حماية الأمن القومي، معتبرة أن محو الخطوط الفاصلة بين الأمن القومي والاقتصاد يضر الاثنين. وترى أن الإدارة تقدم تعريفاً فضفاضاً ومبالغاً فيه للأمن القومي. ومثل هذا التوجه في رأيها يهدد النظام التجاري العالمي، وينتهك القانون الدولي.
تفند الأستاذة الحجج القانونية التي استندت إليها الإدارة وأهمها حق الرئيس في فرض إجراءات حمائية، مؤكدة أن تلك النصوص مقيدة بظروف معينة مثل وجود تهديدات أو حالات الحرب كما نص على ذلك القانون الدولي وهي ظروف ليست قائمة. كما أن انتقاء دول بعينها لفرض هذه الإجراءات واستبعاد أخرى يعتبر نوعاً من التمييز المحظور قانوناً.
من نقطة الأمن القومي ذاتها يبدأ حديث الخبير الآخر وهو المفكر الاقتصادي المرموق بول كروجمان الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2008 والذي يعتبر أن التحجج بالأمن القومي احتيال مغلف بالبلاهة. ويرى أن القرار لن يخلق المزيد من فرص العمل بل سيقللها لسببين: الأول أن الرسوم الجديدة ستفرض على مواد وسيطة تدخل في صناعات أخرى يجب أن تتوافر لها ميزات المنافسة الخارجية، في حين أن تكلفتها سترتفع، وبالتالي ستقل مبيعاتها وسيدفع العمال ثمن ذلك من وظائفهم.
السبب الآخر هو أن الدول المتضررة سترد بفرض رسوم على الصادرات الأمريكية وبالتالي سيرتفع سعرها ويقل الإقبال عليها. ولن تجد الشركات الأمريكية مفراً من خفض العمالة لتعويض نقص العائدات التصديرية.
يتولى الخبير بعد ذلك نسف ما يعتبره وهماً كبيراً تصدقه الإدارة باعتقادها أنه ما دامت أمريكا تستورد أكثر مما تصدر فلن تخسر الكثير برفع الرسوم الجمركية، وهو رأي يستند إلى حسابات خاطئة لأربعة أسباب:
* أولاً: أنه إذا كانت أمريكا تشتري بأكثر مما تبيع، فإنها ما زالت تبيع الكثير أيضاً. والإجراءات الانتقامية ليست في صالحها.
* ثانياًَ: أن التجارة الحديثة ليست مجرد عمليات بيع وشراء بين الدول، ولكنها حلقات متداخلة من المعاملات المركبة ستتضرر بلا شك من إشعال حرب تجارية، وسيخسر الأمريكيون وغيرهم.
* ثالثاً: إذا استمر التصعيد في الحرب التجارية ستزيد أسعار المواد الاستهلاكية وتتضرر الطبقة الوسطى التي يغازلها ترامب لنيل أصواتها.
* السبب الرابع والأخير هو أن الإجراء الأمريكي يستهدف بالأساس دولاً ديمقراطية بما يعنى أنه لو أراد قادتها تقديم تنازلات لأمريكا فإن ناخبيهم لن يسمحوا بذلك.
خلاصة ما يذهب إليه العالم الأمريكي هو أننا على أعتاب حرب تجارية غبية كما يصفها، واشتعالها لن يكون في صالح أمريكا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"