أرباح الحرب التجارية

03:55 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

إلى أن يحين موعدها في السادس من الشهر المقبل ستظل انتخابات التجديد للكونجرس الأمريكي هي البوصلة الحقيقية، وربما الوحيدة التي توجه قرارات ومواقف وسياسات الرئيس دونالد ترامب. لن يخطو خطوة أو يتخذ قراراً أو يصدر تصريحاً إلا وستكون الانتخابات نصب عينيه متحرياً تأثير ما يفعل ويقول على الرأي العام. لذلك لن يكون غريباً أن يبدي تشدداً متعمداً بشأن كل القضايا الداخلية والخارجية إرضاء لقاعدته الجمهورية اليمينية.
أحد أهم الملفات التي سيكون لها النصيب الأوفر من هذا التشدد الموسمي هو ملف الحرب التجارية المشتعلة مع الصين. سيتعمد ترامب تصعيد المواجهة معها ليس فقط لأن هذا هو موقفه الشخصي، ولكن أيضاً لأن للصين على نحو خاص قصة مهمة في رحلته إلى البيت الأبيض. وإليها يرجع الفضل ولو جزئيا في نجاحه الانتخابي.
لكي نفهم هذا نحتاج إلى الرجوع قليلاً إلى بداية الألفية الثانية. في ذلك الوقت كانت العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين آخذة في الازدهار سريعاً. وبعد انضمام بكين إلى منظمة التجارية العالمية تساقطت الحواجز التجارية الأمريكية أمام المنتجات الصينية الرخيصة التي تدفقت كالسيل الجارف على الأسواق الأمريكية. وبطبيعة الحال أدى هذا الغزو التجاري الجارف إلى خروج المنافسين الأمريكيين من السوق لارتفاع أسعار منتجاتهم بسبب كلفة الإنتاج المرتفعة في الأصل.
استمر التفاعل الطبيعي في مثل هذه الحالات فنقلت الشركات الأمريكية العاملة مصانعها إلى الصين وغيرها من الأسواق الخارجية ذات الكلفة الإنتاجية المنخفضة، ومن ثم فقد الملايين من العمال والموظفين الأمريكيين وظائفهم. وكان التأثير السلبي لهذا التطور أوضح ما يكون في المدن ذات القواعد الصناعية.
تكمل مجلة أتلانتيك الأمريكية الفصل الأخير من هذه القصة الحزينة بالقول إنه بعد سنوات أصبحت تلك المدن المتضررة بقواعدها العمالية الغاضبة هي الداعم الأكبر لأي مرشح رئاسي أو تشريعي يطالب بتقييد دخول الصادرات الصينية وهو الموقف الذي يتخذه ترامب منذ بداية ترشحه وحتى الآن.
وبفضل هذا الموقف حقق ترامب النتيجة المتوقعة، وأصبح المرشح المفضل لهؤلاء العمال. ولم يكن غريباً أن يفوز في الانتخابات الرئاسية الماضية بأصوات 25 دائرة انتخابية من 35 دائرة تقع في نطاق المدن والمناطق الصناعية. ومن البديهي أن يتواصل الولاء السياسي لهذه الشريحة الانتخابية طالما استمر ترامب على موقفه، وهذا ما يأمل الجمهوريون أن يستفيدوا منه في انتخابات الكونجرس المقبلة.
غير أنه من المهم هنا الإشارة إلى أننا بصدد قضيتين منفصلتين تماماً ونعني بهما نتيجة انتخابات الكونجرس ونتيجة الحرب التجارية مع الصين. فوز أو خسارة الجمهوريين في المعركة الانتخابية ليس له علاقة بنجاح أو فشل سياسات ترامب الحمائية مع الصين أو غيرها. وفي هذا الصدد يتوقع الباحث الأمريكي ديرك تومبسون أن تمنى سياسية ترامب تجاه الصين بالفشل.
أحد أهم مبرراته هو أن الحرب التجارية يمكن كسبها بسهولة عندما تكون الدولة المستهدفة صغيرة وتقودها حكومة ضعيفة، تواجه انتخابات غير مضمونة النتائج، وليس لديها وسائل لدعم صناعتها الضعيفة. هذه المواصفات للعدو الذي يمكن بسهولة التغلب عليه، لا تنطبق على العملاق الصيني باقتصاده القوي ونظام حكمه الذي لا يدخر وسعاً في حماية صناعته الوطنية.
ثمة سبب آخر لفشل حرب ترامب على الصين وهو أنه فتح جبهات مواجهة مع الحلفاء بفرضه رسوماً على صادرات الاتحاد الأوروبي وكندا. بينما كان يفترض أن يسخر جهوده في هذه المرحلة لبناء تحالف تجاري قوي مع هذه الدول الحليفة، وليس إثارة النزاعات معها، لاسيما أن لهذه الدول أيضا خلافات تجارية مع الصين. فعل ترامب عكس ما كان يجب عليه القيام به وتبنى الاستراتيجية الخطأ في التوقيت الخطأ. وسواء نجح هذا التوجه المتشدد في كسب أصوات الناخبين أو فشل، فإن المؤكد أنه ليس الطريق الصحيح لكسب المعركة مع الصين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"