انتفاضة العراق

03:57 صباحا
قراءة 3 دقائق


حافظ البرغوثي

احتل العراق العام الماضي المركز السادس عربياً و13 عالمياً في قائمة الدول الأكثر فساداً من إجمالي 168 دولة، بحسب منظمة الشفافية الدولية
شهد العراق بعد الانسحاب التدريجي لقوات الغزو الأمريكي احتجاجات كثيرة لأسباب معيشية، خاصة في الموصل، والأنبار، وتم قمعها. وبعد ذلك بسنين شهد جنوب العراق هو الآخر احتجاجات على فترات، خاصة في البصرة، نظراً لتردي الأحوال الحياتية.
ومنذ سقوط النظام البعثي لم يشهد العراق بناء فصل دراسي، أو تركيب محطة كهرباء، أو ماء، أو بناء مرفق صحي، ولوحظ أنه أثناء الاحتجاجات السابقة، والحالية، كان العراقيون يحرقون صور رموز سياسية عراقية وإيرانية.
فأين ذهب أكثر من ألف مليار دولار من العائدات النفطية؟ ولماذا باتت المياه والكهرباء تأتي من إيران؟ تساؤلات عدة وراء الأزمة العراقية، لأن لها تفرعات خارجية، لعل أهمها أن الاحتلال الأمريكي عمل على تنمية الطائفية من خلال المحاصصة، وزرع بذور «فرّق تسد»، وقد عمل الأمريكيون على تسليم مقاليد الحكم قبل انسحابهم لإيران، وحلفائها، ولا بد من الإشارة إلى الدور السلبي الذي لعبته حكومة المالكي في هذا الخصوص.
فقبل الاحتجاجات الأخيرة علق العراق عمل قنصليته في مدينة مشهد الإيرانية، بعد الاعتداء على دبلوماسيين واعتقالهما، لذلك لم نفاجأ بالغضبة الشعبية العراقية على وكلاء ايران في العراق، وميليشياتها المسلحة، لأنها الذراع العسكرية للنظام الإيراني الذي بات يعتبر العراق مزرعة له، ينهبها، ويحلبها، ويقيم قواعده فيها لتهديد الجوار العربي.
ولعل تصريحات قادة الحشد الشعبي ضد دول الخليج كانت تعبر عن ذلك. فقد شهدت إيران في السنوات الأخيرة خروج الحاقدين على العرب إلى العلن، وفي ندوات عامة، فقد كتب طبيب في كرمنشاه إعلاناً على عيادته جاء فيه نعتذر عن استقبال المرضى العرب، ختمه بشعر للفردوسي يقول فيه «من شرب لبن الإبل، وأكل الضب، يطمح في تاج الملك»، في إشارة إلى سقوط الدولة الساسانية على يد العرب المسلمين. وكان شاعر فارسي يدعى مصطفى بادكويه، شتم العرب، ودعا إلى عدم الحج، وبالنسبة إلى عرب الأهواز زعم أنهم إيرانيون تعلموا العربية، وليسوا عرباً.
فالأزمة العراقية هي نتاج تزاوج بين متنفذين نصّبهم الاحتلال الأمريكي، وآخرين مرتبطين بالتيار التوسعي في طهران، ولا تستطيع أية حكومة القضاء على هذه الشبكات العنكبوتية من الفاسدين والمفسدين بسهولة، حيث احتل العراق العام الماضي المركز السادس عربياً، و13 عالمياً في قائمة الدول الأكثر فساداً من إجمالي 168 دولة، بحسب منظمة الشفافية الدولية، وحسب رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي، فإن الفساد في البلاد تجاوزت قيمته ثلاثمئة مليار دولار.
وتشير المعلومات إلى أن آلة الفساد اجتاحت أكثر من تسعة آلاف مشروع في مجالات مختلفة، منها مشاريع وهمية، وأخرى متعثرة منذ عام 2004.
وعلى صعيد إهدار المال العام، تتحدث مصادر غير رسمية عن أكثر من ثمانمئة مليار دولار خلال السنوات ال15 الماضية، وكشفت الحكومة حتى الآن عن أربعين ملفاً دخلها الفساد من أوسع الأبواب.
وتعهد البرلمان العراقي بإقرار حزمة تشريعات تتعلق بعمل هيئة النزاهة، واسترداد أموال الدولة، إضافة إلى إيجاد حلول لمشكلة المشاريع الوهمية والمتعثرة التي تشمل مدارس، ومستشفيات، وطرقاً وغيرها.
لكن الأزمة ليست الفساد فقط، بل الوجود الإيراني في العراق، خاصة في صلب الحكم، وهي عملياً تتحكم في كثير من الأحزاب والميليشيات المسلحة.
إن مقارنة الوضع العراقي الآن في ظل الوفرة النفطية، وبين الوضع أيام الحصار الأمريكي وبرنامج النفط مقابل الغذاء، تبين أن الوضع السابق كان افضل، وكان هناك توزيع عادل للغذاء، والفرص، بعكس الوضع الحالي، وليس من المتوقع أن تسمح طهران لأية حكومة عراقية بمكافحة مراكز القوى المرتبطة بها، أو مراكز الفساد، ولهذا خرج العراقيون ليس احتجاجاً على البطالة وشظف العيش فقط، بل وعلى الفساد والهيمنة الإيرانية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"