انتخابات مصيرية في تركيا

04:18 صباحا
قراءة 4 دقائق
د.غسان العزي
ما انفك حزب العدالة والتنمية يحقق الفوز تلو الآخر في الانتخابات على أنواعها، منذ العام ٢٠٠٢.
وفي العام الماضي وحده فاز في الانتخابات البلدية، في مارس/آذار ثم الرئاسية في أغسطس/آب التي حققت لأردوغان حلمه بالوصول إلى رئاسة الجمهورية بعدما كان رئيساً للحكومات المتعاقبة. وبات يسعى لتغيير النظام من برلماني إلى رئاسي يمنحه من الصلاحيات ما يحيله سلطاناً عثمانياً بامتياز.
هذا ما ستقرره انتخابات السابع من يونيو/حزيران التشريعية، المصيرية لأن نتائجها ستحدد مصير الاستقرار السياسي والنجاح الاقتصادي اللذين عرفتهما البلاد منذ العام ٢٠٠٢.
استطلاعات الرأي تعلن الحزب الحاكم فائزاً وبفارق كبير عن خصومه.
لكن هذا الفارق يتضاءل مع اقتراب موعد الانتخابات، ذلك أن آخر استطلاع للرأي جرى الأسبوع الماضي أعطاه ٤٠،٥ في المئة في مقابل ١١،٥٪ لحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد و٢٩٪ لحزب الشعب الجمهوري و١٥٪ لحزب الحركة القومية اليميني.
والرقم الأهم بين هؤلاء هو ما قد يحصل عليه الحزب الديمقراطي المؤيد لعبدالله أوجلان الذي إن تخطى نسبة العشرة في المائة (ما يعادل ٥٥-٦٠مقعداً) فسيكون مستحيلاً على أردوغان الحصول على أغلبية الثلثين الضرورية لتعديل الدستور، بل ربما على الأغلبية المطلقة التي تمكنه من تشكيل الحكومة بمفرده.  ذلك أن عدم حصول الحزب المذكور على العشرة في المائة يعني،بحسب النظام الانتخابي التركي المختلط بين الأغلبي والنسبي، ذهاب المقاعد الخمسين أو الستين المذكورة وبشكل آلي من دون عناء، إلى الحزب التالي في المناطق الكردية وهو «العدالة والتنمية»، كما حصل في العام ٢٠١١.
هذه الانتخابات مصيرية لأنه إذا لم يحصل حزب أردوغان على الأغلبية المطلقة فإن الوضع السياسي سيدخل في مرحلة اضطراب لأن هذا الحزب الذي يحكم بمفرده منذ العام ٢٠٠٢ سيكون من الصعب عليه تشكيل ائتلاف والتعايش مع شريك له في السلطة.
لذلك يشعر المستثمرون الأجانب بالقلق وتتراجع قيمة الليرة التركية أمام الدولار، وهو تراجع بلغ ٢٤٪ الأسبوع الماضي.
إذا حصل ذلك، وهو مرجح، فان حزب العدالة والتنمية سيكون مضطراً لتشكيل ائتلاف إلى جانب أحد خصومه الحزبيين.
حزب الشعب الديمقراطي المعارض الأقوى يفضل تصويب السهام على الحزب الحاكم أكثر من الصعود معه في مركب واحد.
حزب الشعوب الديمقراطي لا مانع عنده في التوصل إلى حل للمسألة الكردية، لكن أردوغان قد يفضل الحركة القومية التي تشترك معه في بعض الأفكار العثمانية الطورانية، رغم أن العلاقات بين الحزبين غير ودية وأن القوميين ينتقدون الرقابة الإعلامية التي يمارسها الحزب الحاكم ويصرون على علمانية الدولة. ويخشى المراقبون من هذا السيناريو الأخير الذي يشكل ابتعاداً إضافياً لتركيا عن الديمقراطية والاعتدال.
في حال فوزه بثلثي المقاعد، أي ٣٦٧ من أصل ٥٥٠، فسيعمد حزب العدالة والتنمية إلى تعديل الدستور من دون عناء.
أما إذا حصل على ٣٣٠ مقعداً فسوف يتمكن من إحالة مشروع التعديل إلى الاستفتاء الشعبي.
وإذا استحوذ على الأغلبية العادية، أي ٢٧٦ مقعداً، فسوف يقوم بتشكيل حكومة من دون تعاون مع أي قوة سياسية أخرى.
وفي الحالات الثلاث فإن المراقبين يتخوفون من نزعة أردوغان التسلطية التي قد تخرج تركيا من كونها جمهورية علمانية ديمقراطية تطمح إلى الاندماج الأوروبي.
لقد بنى الحزب المذكور قوته على النجاح الاقتصادي الذي عبر عنه ثبات النمو وبوتيرة متصاعدة ليبلغ ما متوسطه ٥،٢٪ بين العامين ٢٠٠٢ و٢٠١٢ مع قفزات كبرى أحياناً (٩٪ العام ٢٠١٠)، وتراجع البطالة إلى أقل من ٥٪، بالإضافة إلى إنجازات أخرى دفعت تركيا إلى المركز السادس عشر عالمياً ما أكسبها عضوية جماعة العشرين.
لكن هذا النمو ما ينفك يتراجع ولو ببطء منذ ثلاثة سنوات ليبلغ ٤،٢٪ العام ٢٠١٣ ثم ٢،٩٪ العام ٢٠١٤ والبطالة قفزت إلى أكثر من ١١٪.
والبلد شديد الارتباط بالاستثمارات الأجنبية التي بدورها ما تنفك تتراجع تحت ضغط التدخلات السياسية في تركيا: من ١٦،١ مليار دولار العام ٢٠١١ إلى ١٢،٥ مليار دولار العام ٢٠١٤، بعد أن كانت عشرين ملياراً في العام ٢٠٠٧.
وتراجع الاستثمارات يدفع للمزيد من تدخل الدولة بهدف حماية النمو عبر تخفيض نسب الفوائد في المصرف المركزي، الأمر الذي يؤدي إلى إضعاف الليرة وهو ضعف يردع المستثمرين.
إنها حلقة مفرغة يبدو أن تركيا دخلت فيها.
ففي العام الماضي وصل التضخم إلى ٨،٢٪ أي بعيداً عن الهدف الذي وضعه المصرف المركزي (٥٪). هذا الأخير عمد إلى رفع معدلات الفوائد إلى ١٠٪ في يناير/كانون الثاني الماضي، قبل أن يعود إلى تخفيضها إلى ٧،٥٪ خوفاً من خنق الاقتصاد. والخلافات بين حاكم المصرف المركزي والرئيس أردوغان وصلت إلى العلن، الأمر الذي يؤثر سلباً في ثقة المستثمرين، من دون أن ننسى خلافات بدأت تظهر إلى العلن داخل الحزب الحاكم نفسه حول تعديل الدستور.
هناك خطر جدي من أن تفقد تركيا جاذبيتها العالمية وتتراجع في الترتيب الاقتصادي العالمي (أضحت في المرتبة ١٨). وعلى الحكومة المقبلة أن تواجه تحديات داخلية كثيرة، لكن المشكلة أنها إذا كانت ائتلافية فستكون ضعيفة هشة، وإذا كانت من الحزب الواحد فقد تسير بالبلاد قدماً في طريق السلطوية والشوفينية.
إلى ذلك تضاف تحديات جيوبوليتيكية تعبر عنها المشكلتان الكردية والقبرصية مع عودة الكلام عن الإبادة الأرمنية، وهذا كله مرتبط بتحدي الدخول في الاتحاد الأوروبي، من دون أن ننسى الحرب السورية وتداعياتها مع مليوني نازح يقيمون في الأراضي التركية، فضلاً عن موقع البلد على الخريطة الإقليمية (نهاية استراتيجية الصفر مشكلات) في ظروف علاقات صعبة مع الولايات المتحدة، وغامضة مع روسيا، ومضطربة مع المحيطين العربي والإسلامي.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"