تجميد الحل السياسي في سوريا

03:02 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

ترافقت المساعي إلى إيجاد حلول سياسية للصراع في سوريا مع تطور مراحل الصراع نفسه، ففي وقت من الأوقات، وتحديداً في منتصف عام 2012، كان «بيان جنيف1» هو البداية الفعلية التي خطّت تصوّراً أولياً للحل، وقد وقفت الولايات المتحدة وروسيا وراء إصدار البيان، ثم اختلفتا على تفسير مضامين بنوده، لكن سرعان ما أصبحت المطالب الستّة التي حملها البيان فاقدة لأي معنى على الأرض، نظراً لتسارع الأحداث، وتحوّل «الحراك الشعبي» إلى حالة صراع مسلّح دخل الإرهاب في ثناياه، ولم تعد تجدي معه مطالب مثل «عدم استخدام الأسلحة الثقيلة» (البند الثاني في البيان)، أو «الإفراج عن جميع من اعتُقلوا» (البند الرابع)، بل على العكس من ذلك، أصبح الاعتقال سمة من سمات الصراع، تمارسه معظم الأطراف المحلية المنخرطة في الحرب.
جولات التفاوض العديدة التي جرت في جنيف، بين وفدي الحكومة السورية والمعارضة، آلت جميعها إلى الفشل، فقد بقي النظام السوري مصرّاً على مناقشة بند مكافحة الإرهاب كمدخل إلى التفاوض، وهو يعلم تماماً أن الأساس الذي بنيت عليه جولات جنيف كان مناقشة الحل السياسي، أي الاتفاق على صيغة سياسية للخروج من حالة الاقتتال، وبناء نظام سياسي جديد، في الوقت الذي تمسّكت فيه المعارضة بخطاب ينصّ على رحيل النظام، وهي لم تكن، من الناحية العملية، في وضع عسكري يسمح لها بفرض شروطها، خصوصاً مع تنامي تنظيم «داعش» منذ عام 2014، وصعوده السريع الذي حوّل مسار الاهتمام بالحل السياسي إلى اهتمام بكيفية القضاء على هذا التنظيم الإرهابي.
من جهتها، تبنّت روسيا، بعد تدخّلها العسكري في الصراع السوري، توجهاً يقوم على تعديل موازين القوى العسكرية بشكل واضح لمصلحة النظام السوري، وخلق مسار تفاوضي مع الفصائل العسكرية، منفصل عن أي طرح سياسي شامل للمسألة السورية، وهو ما تجلى في «مفاوضات أستانة» في يناير / كانون الثاني 2017، والذي أدى عملياً إلى بلورة أوضاع ميدانية جديدة، أسهمت في نهاية المطاف في فكّ الضغط العسكري عن النظام السوري، وتقليل عدد الأوراق التفاوضية ووزنها لدى المعارضة.
وعلى الرغم من وجود قرار أممي صريح حول الحل السياسي في سوريا، وهو القرار 2254، الصادر في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2015، ينصّ على «تشكيل هيئة حكم ذات مصداقية، وتشمل الجميع وغير طائفية، واعتماد مسار صياغة دستور جديد لسوريا في غضون ستة أشهر»، إلا أن هذا القرار بقي بلا أي مفاعيل عملية، وقد تجاهلته روسيا، حين عملت على تغيير مسار الحل السياسي باتجاه إنشاء «لجنة إصلاح دستوري»، من المعارضة والنظام، وهو ما صدر عن البيان الختامي ل «مؤتمر الحوار الوطني» الذي عقدته في سوتشي في يناير 2018، وأصبح منذ ذلك الوقت الوجهة الجديدة للحل السياسي. مرّ أكثر من عام ونصف على إقرار إنشاء «لجنة إصلاح دستوري»، لكنها لم ترّ النور بعد، فقد اعترض النظام السوري على بعض الأسماء التي اقترحتها منظمات المجتمع المدني، حيث من المفترض أن تضم اللجنة آنفة الذكر 50 اسماً يقترحهم النظام، و50 تقترحهم المعارضة، و50 للمجتمع المدني، ولا تزال المفاوضات جارية بين جير بيدرسون المبعوث الأممي لسوريا، والحكومة السورية، من أجل إقرار الأسماء النهائية للجنة، وإذا كانت الموافقة على اللجنة، وإقرار أسمائها، يحتاجان إلى عامين أو أكثر، فكيف سيكون الحال مع تحديد مهامها، والاتفاق على صلاحياتها، والقبول بنتائج عملها؟
من الناحية العسكرية والإدارية، تخضع المدن والبلدات السورية إلى ثلاث سلطات أمر واقع (مناطق خاضعة لسيطرة النظام، ومناطق خاضعة للإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، وفصائل راديكالية وبقايا جيش حر في محافظة إدلب وعفرين)، وتبدو الحدود بين هذه السلطات مرسومة عبر دعم القوى الخارجية، حيث تدعم روسيا وإيران النظام السوري، وتدعم تركيا مقاتلي الفصائل في إدلب وعفرين، وتتواجد قوات أمريكية وأوروبية في مناطق الإدارة الذاتية.
مع هذه المعطيات، لا يبدو أن حلّاً سياسياً يلوح في الأفق، فعلى الرغم من محاولة روسيا كسر المعادلة العسكرية في إدلب، إلا أن كل محاولاتها حتى الآن غير ناجحة، وبناءً عليه فإن تحركات المبعوث الدولي الراهنة نحو إطلاق «اللجنة الدستورية» ستكون إهداراً لمزيد من الوقت، وقتل ما تبقى من أمل في وضع نهاية للحرب السورية، وهو ما يجعل الوضع السوري يذهب نحو استقرار الأوضاع وتجميدها على ما هي عليه، بانتظار التوافقات الدولية، التي تبدو هي الأخرى بعيدة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"