قبول واسع لإلغاء الدعم في إيران

04:35 صباحا
قراءة 4 دقائق

رغم عدم شعبية ارتفاع الأسعار بشكل عام، ومخاطر زيادة التضخم التي تتولد عنها، إلا أن الإجراءات التي بدأ الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بتنفيذها لإلغاء الدعم عن السلع الأساسية بشكل تدريجي تلقى قبولاً في الداخل والخارج من السياسيين والاقتصاديين ولم تقابل برد فعل شعبي غاضب . وإن كان ذلك لا يعني بالضرورة أن هناك رضا في الشارع الإيراني على سياسة الغاء الدعم على السلع الأساسية . لكن يبدو أن الجماهير، خاصة قاعدة التأييد الأساسية للرئيس الإيراني وحكومته، تريد أن تعطي الحكومة فرصة لتنفيذ سياستها على أمل تحقيق وعودها باقتصاد أفضل نتيجة ضبط الميزانية .

وحظي الرئيس محمود أحمدي نجاد بدعم قوي من البرلمان لخطته إلغاء الدعم، الذي يكلف الميزانية الإيرانية 100 مليار دولار سنويا، بحلول عام ،2015 ذلك رغم أن النواب في البرلمان يعارضون الحكومة في قضايا اقتصادية أخرى . كما رحب صندوق النقد الدولي بالخطة الإيرانية التي طالما دعا الصندوق إلى تطبيقها . وقللت الحكومة من حدة رد الفعل الشعبي بأن تركت مهلة عدة أشهر للناس ما بين الإعلان عن خفض الدعم تدريجيا حتى إلغائه وبين بدء التنفيذ بالرفع الجزئي عن أسعار الوقود . كما تعهدت الحكومة بتقديم دعم نقدي مباشر للأسر المستحقة كبديل عن الدعم العيني للسلع، الذي يرى الرئيس أحمدي نجاد أنه لا يصل إلى مستحقيه .

وقال الرئيس الإيراني إن حكومته ستستخدم الأموال المتوفرة من إلغاء الدعم للاستثمار في مشروعات تفيد المجتمع الإيراني مثل البنية التحتية والإسكان الشعبي . وتفادت الحكومة إثارة الغضب الشعبي مثلما حدث عام 2007 حين اندلعت الاحتجاجات بعد إعلان الحكومة نظام الكوبونات لتقنين استهلاك البنزين المدعم . وبدءًا من 19 ديسمبر ارتفع سعر البنزين المدعم الذي يحصل عليه المواطن الإيراني (الكوبون يشتري 60 لتراً مدعماً شهرياً) عند 4000 ريال للتر (40 سنتاً) مقابل 1000 ريال من قبل . وأصبح سعر اللتر من البنزين غير المدعم 7000 ريال، وارتفع سعر الديزل إلى 1500 ريال للتر المدعم و3000 ريال للتر بعد ذلك . وهناك أنباء عن زيادة في أسعار الغاز للمنازل والكهرباء والمياه والمواد الغذائية الأساسية ومنها الخبز .

وقررت الحكومة دفع تعويضات مباشرة للمواطنين لمواجهة ارتفاع الأسعار نتيجة الالغاء التدريجي للدعم، وقررت دفع 10 آلاف ريال (80 دولار) لكل فرد في الشهرين الأوليين، على أن يصبح التعويض نصف ذلك (40 دولار) شهرياً في ما بعد مع إمكانية الزيادة في حالات معينة . وخصصت الحكومة بالفعل مبلغ 20 مليار دولار في ميزانية العام الحالي لتعويضات إلغاء الدعم .

وحسب تقديرات صندوق النقد الدولي كانت الأسرة الإيرانية المكونة من أربعة أفراد في المتوسط تحصل على دعم حكومي يوازي 4 آلاف دولار شهريا باستهلاك النفط والغاز المدعم فقط، إلا أن القدر الأكبر من ذلك الدعم كان يصب لصالح العائلات الثرية والميسورة فقط . وأدى الدعم للسلع، خاصة الوقود، إلى تبذير في الاستهلاك ما جعل العاصمة الإيرانية طهران واحدة من أكثر المدن تلوثاً في البيئة . واعترف الرئيس الإيراني بذلك، مشيراً إلى أن استهلاك إيران من الوقود أربعة أضعاف المعدل العالمي . ويتوقع الاقتصاديون في صندوق النقد الدولي أن أسعار بعض السلع قد ترتفع عشرين ضعفاً لإلغاء الدعم عنها نهائيا، ويعني ذلك خطر ارتفاع كبير في معدل التضخم . وإن كان البنك المركزي الإيراني مهد الأرض بالفعل لرفع الدعم بسياسة نقدية صارمة أدت إلى ضغط السوية في السوق المحلي ما خفض معدل التضخم من 30 في المئة قبل عامين إلى 10 في المئة الآن . ورغم التوقعات المتشائمة من بعض المحللين والتي تتنبأ بوصول التضخم إلى مستويات صاروخية، لا يتوقع كثير من المحللين أن تزيد نسبة التضخم عن 15 في المئة في العامين المقبلين . وإن كان ذلك المعدل يظل كبيراً نسبياً إلا أنه محتمل، إذا أخذنا في الاعتبار أن معدلات التضخم وصلت من قبل إلى ما يقرب من 50% .

وإذا كانت الحكومة الإيرانية لم تشر من قريب أو بعيد إلى أي علاقة بين سياسة إلغاء الدعم والعقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد، إلا أن ذلك أمر لا يمكن إغفاله . صحيح أن خطط إلغاء الدعم أو تقنينه تعود إلى سنوات طويلة، قبل بدء فرض عقوبات دولية على طهران، لكن البدء بها الآن في فترة الحكم الثانية للرئيس محمود أحمدي نجاد لا يمكن أن يكون بعيداً عن تأثير العقوبات . ومع أن الحكومة الإيرانية تصر على أن العقوبات لا تؤثر في البلاد، إلا أن هناك مؤشرات عدة على أنها بدأت تؤلم الاقتصاد الإيراني في عدة نواحٍ .

ومن غير المتوقع أن يكون لبرنامج إلغاء الدعم تأثير سريع في الوضع العام للاقتصاد الإيراني، بمعنى أن يعوض أثر العقوبات وضعف الاستثمارات . لكن البرنامج سيؤدي بالتأكيد إلى تحسين وضع الميزانية الإيرانية وضبط أرقام الاقتصاد الكلي بما يمكن البلاد من التطور السليم في حال التوصل إلى تسوية لأزمة البرنامج النووي وعودة العلاقة السليمة مع العالم .

خبير اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"