مخاطر قوة الدولار

02:29 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. أيمن علي
لم ينته بعد تأثير الأزمة المالية العالمية في 2008 على الاقتصاد العالمي، وخاصة على القطاع المالي والمصرفي. ويبدو أن البنوك المركزية استنفدت كل ذخيرتها في محاولتها استعادة صحة القطاع المالي والمصرفي، ومن ثم توفير الوقود الكافي لدفع النمو الاقتصادي بالسرعة التي تمكنه من تجاوز الأزمة.
ولم تسفر سياسات التيسير النقدي (خفض معدلات الفائدة) أو التيسير الكمي (ضخ النقد وشراء البنوك المركزية سندات الدين) عن نتائج كبيرة، وكل ما أدت إليه هو تفادي الركود العميق أو الكساد. والحقيقة أن كل تلك الحلول لم تكن سوى عمليات «ترقيع» استناداً إلى ذات النظريات والتقديرات التي أدت إلى الأزمة، ولم يواجه أحد الاختلالات الهيكلية في النظام المالي العالمي.
وحتى عام 2013 بدا وكأن العالم يسير ببطء نحو التعافي الاقتصادي، وكان الرهان كبيراً على الاقتصادات الصاعدة، وفي مقدمتها الصين لتقود النمو الاقتصادي العالمي. إلا أن كل «المسكنات» التي حقن بها الاقتصاد العالمي بدأت تفقد تأثيرها، ولم يعد مفيداً زيادة الجرعات. ومنذ عام 2014 شهدنا بروز عاملين رئيسيين، هما: زيادة قوة الدولار وهبوط أسعار النفط. وكان للعاملين تأثيرهما الكبير الذي لم ينته بعد، وربما يكون العام المقبل 2017 هو عام ظهور نتائج التأثير للعاملين على مدى العامين الماضيين. وإذا كانت أسعار النفط تم التعرض لها بتفصيل وتوسع من الكثيرين، إلا أن قوة الدولار لم تحظ بذات الاهتمام.

ربما يرى بعضهم، خاصة من يعتمدون في الدخل القومي على عوائد تصدير المواد الخام المقومة بالدولار، أن ربط عملته بالدولار يخفف من وطأة هبوط الأسعار. وهذا صحيح، إلا أن تأثير قوة الدولار على التجارة العالمية تحديداً، وعلى الاقتصاد العالمي بشكل عام قد لا يفيد في المحصلة الأخيرة. حتى بالنسبة للولايات المتحدة، فإن قوة عملتها لا تعني بالضرورة أمراً إيجابياً اقتصادياً، إضافة إلى أنها تجعل صادراتها أقل تنافسية فإن قوة الدولار تعني أيضاً ارتفاع قيمة الدين الأمريكي كما تؤثر أيضاً بالسلب على الدين العالمي المقدر بأكثر من 250 تريليون دولار، وأغلبه بالدولار.
صحيح أن الأرقام تشير إلى تراجع سطوة أمريكا التجارية في العالم، فقد تراجع عدد الدول التي تعد أمريكا الشريك التجاري الرئيسي لها إلى 32، بينما كان هذا العدد 44 دولة عام 1994، لكن الاقتصاد الأمريكي يظل الأكثر مرونة عالمياً، وبالتالي فإن أهميته للتجارة العالمية تظل كبيرة جداً حتى مع ما حققته الصين من بروز على مسرح التجارة العالمية. ومن هنا تأتي أهمية التغير في سعر صرف العملة الأمريكية.
يصل سعر صرف الدولار الآن إلى أعلى مستوياته في عقد من الزمن، ويزيد سعر الدولار بنسبة 40 في المئة على أدنى مستوى له في عام 2011. وفي أسواق العملات وصلت أسعار بعض العملات الآسيوية إلى أدنى مستوى لها أمام الدولار بشكل لم يحدث منذ أزمة العملات الآسيوية في 1998.
تمثل «منطقة الدولار»، أي أمريكا والدول التي ترتبط عملتها بالدولار بشكل أو بآخر نحو 60 في المئة من سكان العالم، و60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وتنتج الدول التي تربط عملاتها تماماً بالدولار الأمريكي نحو ثلث الناتج الاقتصادي العالمي. كما أن أغلب أسعار السلع في العالم مقومة بالدولار، وتشكل التعاملات الدولارية 85 في المئة من مبادلات العملات الأجنبية في العالم. كما أن 39 في المئة من الديون العالمية هي ديون بالدولار، كذلك يشكل الدولار 63.4 في المئة من الاحتياطات في العالم. وحالياً، تشكل العملة المدورة في السوق الأمريكية أقل من نصف ما هو في العالم (24.9 تريليون دولار في أمريكا من أصل 66.3 تريليون دولار في العالم).
ربما تكون سوق الائتمان، وسوق السندات (خاصة الدولارية منها)، الأكثر عرضة للتأثر الضاغط من ارتفاع سعر صرف الدولار. فهناك الكثير من الدول، خاصة دول الاقتصادات الصاعدة، اقترضت ديوناً بالدولار الأمريكي ستعاني بشدة من تكلفة تسديد تلك الديون، وفوائدها مع ارتفاع سعر الدولار مقابل عملاتها الوطنية.
ومنذ الأزمة المالية عام 2008 بدأ الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأمريكي تحويل الدولارات لبنوك مركزية لبعض الدول الكبرى، تحديداً الأوروبية؛ وذلك في محاولة لتفادي التبعات الكارثية للأزمة المالية إلا أنه منذ بداية ارتفاع سعر صرف الدولار منذ 2014 بدأت تكلفة هذا التحويل ترتفع، وإن ظلت بالطبع أقل من شراء الدولار في «السوق المفتوح».
من أكثر دول الاقتصادات الصاعدة التي بدأت تعاني بالفعل من عبء دينها الدولاري نتيجة ارتفاع سعر صرف العملة الأمريكية البرازيل وتركيا. وتوجد أيضاً دول أخرى تعاني بالفعل نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار، مثل: فنزويلا ومصر وجنوب إفريقيا وإندونيسيا ونيجيريا وتشيلي.
وبالطبع، تظل الصين أكثر الدول تأثراً من ارتفاع سعر صرف الدولار، إذ يتراجع سعر صرف اليوان على مدى العام ونصف العام الأخير، وانخفضت احتياطات الصين بنسبة 25 في المئة منذ عام 2014 وهي الآن في حدود 3.1 تريليون دولار.
وليس تأثر الصين فقط باختلال الميزان التجاري نتيجة فروق سعر العملة، إنما الأهم والأخطر هو الاتجاه العكسي لحركة رأس المال.
وقد بدأت الصين فعلاً تشهد خروجاً للاستثمارات منها. وتلك أيضاً مشكلة الاقتصادات الصاعدة والأقل نمواً التي تحتاج إلى انسياب رؤوس الأموال ولا تتحمل هروب الاستثمارات منها باتجاه الاقتصاد الأمريكي، خاصة وأن احتمالات رفع الفائدة على الدولار تزيد الآن بعد انتخاب دونالد ترامب رئيساً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"