عام الحسم

03:29 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. أيمن علي
يثير هذا المصطلح شجوناً غير اقتصادية لدى أجيال سابقة، خاصة تلك التي شهدت هزيمة «إسرائيل» للعرب في 1967؛ إذ بدأت ضغوط شعبية على ما كانت تسمى «دول المواجهة» مطلع السبعينات من القرن الماضي كي تشن حرباً على «إسرائيل»؛ بهدف «محو آثار العدوان». وأمام تلك الضغوط أعلن الرئيس المصري الراحل أنور السادات عام 1971 عام الحسم وإن كانت الحرب لم تشن إلا بعدها بعامين.
ومنذ 2011 والاقتصاد العالمي يشهد تراجعاً مضطرداً في انتكاسة على محاولات إنعاشه عقب الأزمة المالية في 2008. ونتيجة ضخ الأموال وتدخل البنوك المركزية لشراء السندات وإجراءات التيسير النقدي، إضافة إلى خفض أسعار الفائدة في الاقتصادات الرئيسية إلى قرب الصفر لم تؤد الأزمة المالية إلى كساد، وبدأ الجميع يتفاءل بإمكانية الانتعاش والنمو، لتجاوز الركود الناجم عن الأزمة.
كان الرهان، وما يزال إلى حد كبير، على نمو اقتصادي سريع، وبمعدلات عالية في الاقتصادات الصاعدة تقودها الصين. إلا أن ذلك التفاؤل أخذ بالتراجع منذ نحو خمسة أعوام مع تواضع معدلات النمو، واضطراب الأسواق والقلق من فقاعة الديون والسندات وتضخم قيمة الأصول.
وقبل نحو عامين انهارت أسعار المواد الخام، يقودها النفط، ورغم أن ذلك نظرياً كان يعني إمكانية استفادة الاقتصاد العالمي، وبالتالي زيادة النمو، لكن ما حدث أن الهبوط الشديد في أسعار النفط والغاز جعل اقتصادات صاعدة، مثل: روسيا والبرازيل تعاني بشدة. كما أن هبوط أسعار المعادن الأخرى أثر سلباً على جنوب إفريقيا. ومع تراجع الاستثمارات، وأيضاً التقلبات في أسواق العملات، تراجعت الاستثمارات، وبدأ الاقتصاد الصيني يفقد زخم النمو الكبير. حتى الاقتصاد الهندي الذي استفاد من تراجع أسعار الطاقة لم يتمكن من قيادة قاطرة تعافي اقتصادي عالمي.
تجمعت كل تلك العوامل بشدة في 2016، التي شهدت تقلبات في أسواق الأسهم وأسواق العملات، وغلياناً أكثر في سوق السندات وتحذيرات متكررة من مؤسسات دولية بشأن فقاعة ديون جديدة. وبدأت الآثار السلبية لانهيار أسعار النفط والغاز تتضافر مع حدثين هامين، هما: تصويت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي، وانتخاب المرشح الجمهوري دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة.
قبل أيام أصدر البنك الدولي توقعاته للاقتصاد العالمي في 2017، مشيراً إلى أن السياسات الحمائية المتوقعة لترامب، ومخاطر الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي يهددان باستمرار التراجع الاقتصادي العالمي. واتخذ بعضهم ذلك ركيزة لاعتبار الحسم هذا العام بالاتجاه السلبي، لكن المؤشرات منذ ما بعد استفتاء خروج بريطانيا، وانتخاب ترامب تدفع أيضاً لتوقع أن يكون الحسم إيجابياً.

فالمخاوف الهائلة من انهيار في بريطانيا أو ضرر كبير على الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو لم تتحقق، رغم تراجع سعر الجنيه الاسترليني واليورو، إلا أن ذلك التراجع لم يكن بالقدر الذي تم التخويف منه. كما أن قدراً كبيراً منه يعود إلى ارتفاع سعر صرف الدولار لعوامل تتعلق بالاقتصاد الأمريكي أساساً. وربما يكون انخفاض سعر العملة هذا مفيداً للطرفين، بريطانيا وأوروبا، بقدر ما يضر ارتفاع سعر صرف الدولار بالسياسات النقدية والاقتصادية الأمريكية.

ورغم هذا التشاؤم، لم يغير البنك الدولي في تقريره الأخير من توقعاته لنمو الاقتصاد البريطاني هذا العام عند نحو 2 في المئة، مع أن الربع الأخير من العام المنصرم شهد نمواً جيداً في بريطانيا. وبغض النظر عن اتفاق خروج بريطانيا، فإن لندن وبروكسل تحرصان على ألا يؤدي ذلك إلى أضرار كبيرة على المدى القريب والمتوسط. وقبل الانتقال لانتخاب ترامب وتأثيره على الاقتصاد الأمريكي، ومن ثم الاقتصاد العالمي، من المهم الإشارة إلى أن عام 2016 انتهى باتفاق بين منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) ومنتجين من خارجها أهمهم روسيا، على ضبط الإنتاج لامتصاص فائض العرض من سوق النفط. وأسهم ذلك بارتفاع أسعار النفط بشكل معقول، وأعاد احتمالات النمو لاقتصادات صاعدة.

أما بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، فملاحظة سريعة على أداء أسواق الأسهم بعد انتخاب ترامب تشير إلى منحى ارتفاع مطرد، كما أن تعهدات ترامب بخفض الضرائب والإنفاق على مشروعات البنية الأساسية سيعني فرصاً أفضل للنمو. أما المخاوف من إجراءات حمائية فيما يتعلق بالتجارة، فمن غير الواضح بعد إلى أي مدى يمكن أن تؤثر سلباً في الاقتصاد العالمي.
والحقيقة أن الأشهر الأولى من حكم الرئيس الجديد ستكون بمثابة مؤشر الحسم، ليس بالنسبة للاقتصاد الأمريكي فحسب، بل ربما للاقتصاد العالمي ككل. فخلال هذه الفترة وحتى منتصف العام ستتضح ملامح السياسة الاقتصادية الفعلية (التي قد تختلف عن شعارات الحملة الانتخابية لترامب) الرئيس الجديد وإدارته.
تبقى الخلاصة أن هذا العام ربما يكون بالفعل عام الحسم، إما سلباً أو إيجاباً. والأرجح أنه سيكون من الصعب للاقتصاد العالمي أن يستمر في حالة عدم اليقين والهشاشة الحالية، فإما أن يبدأ في الانتعاش أو تنفجر مشاكله ركوداً وربما كساداً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"