مخاوف جدة وسوق النفط ... د . أيمن علي

01:51 صباحا
قراءة 4 دقائق

انتهى لقاء جدة لمنتجي ومستهلكي النفط بالدعوة الى مزيد من الشفافية في سوق الطاقة لضمان استقرارها، الى جانب حزمة من المطالبات والتمنيات هي في الواقع تجميع لتصريحات متتالية من جانب كبار المنتجين والمستهلكين . وربما كان الاهم في اللقاء هو ما اعلنته السعودية عن صندوق بمليار دولار لمساعدة الدول النامية على مواجهة ارتفاع اسعار الطاقة وما اعلنه رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون عن ضرورة فتح قطاعات الطاقة في الدول الكبرى للاستثمارات الخارجية ويعني هنا استثمارات الدول المصدرة .

اما بالنسبة لتعهد السعودية بمساعدات التنمية فلا جدال في جديته، خصوصاً انها تقدم مساعدات بالفعل عبر صندوقها الخاص لهذا الغرض مثلما تفعل دول الخليج النفطية الاخرى كالكويت والامارات . ويبقى ان تلك الخطوة اسهمت الى حد كبير في تحقيق احد اهداف اللقاء وهو ايصال رسالة بأن الدول المصدرة للنفط ليست بالبشاعة التي يصورها بها سياسيو الدول الكبرى المستهلكة وانها غير مهتمة سوى بكنز العائدات نتيجة ارتفاع الاسعار من دون الالتفات الى تبعات ذلك على بقية العالم .

لكن دعوة براون تظل في اطار تصريحات الاستهلاك المحلي، اذ ان حكومته لا تملك بسهولة ذلك . وحتى اذا عملت بريطانيا على فتح سوق الطاقة المحلي فيها للاستثمارات الخليجية المباشرة، فإنه لا يستطيع اقناع احد بالقيام بالمثل . ويذكر العالم كيف تجاهلت الولايات المتحدة الامريكية، اكبر مستهلك للطاقة في العالم، دعوة سعودية وخليجية قبل سنوات قليلة لاستثمار مليارات عدة من الدولارات في بناء مصافي نفط جديدة في امريكا . ومعروف ان امريكا لم تشهد بناء أي مصفاة جديدة منذ نحو ربع قرن .

وعلى الرغم من الاحتفالية الاعلامية بلقاء جدة فإن لقاء للمنتجين والمستهلكين في سوق الطاقة لم يكن ينتظر ان يسفر عن أي شيء له علاقة بأساسيات السوق . فهناك منتدى دولي للطاقة يضم المنتجين والمستهلكين يعقد دوريا، وكان آخر اجتماع له في روما قبل اسابيع عدة . لكن التداعي السعودي السريع لعقد اللقاء، باستحثاث بريطاني واضح عبر رئيس الوزراء شخصيا، اشار الى وجود مخاوف حقيقية لدى الدول المنتجة والمصدرة تتجاوز صورة العلاقات العامة .

كان التخوف الاول والبديهي ان تضطر تلك الدول، في سياق محاولات المستهلكين تحميل اوبك مسؤولية ارتفاع الاسعار، ان تلزم نفسها بزيادة غير مبررة في الانتاج . وتذكر البعض اجتماع جاكرتا الشهير لاوبك في خريف العام 1998 عندما دفعت السعودية باتجاه زيادة الانتاج مليوني برميل يوميا ما ادى الى انهيار الاسعار ليقل سعر البرميل عن عشرة دولارات . وعلى الرغم من تطمينات السعودية وغيرها من المصدرين في جدة للمستهلكين بأنهم لن يترددوا في تلبية أي زيادة في الطلب العالمي على النفط، فلم يصل الامر الى حد التزام خاصة ان الجميع يدركون ان وراء ارتفاع الاسعار عوامل اخرى غير اساسيات السوق من عرض وطلب . كما ان أي زيادة في العرض، بينما السوق متخم بالخام بالفعل، لن تجد منفذا للوصول للمستهلكين فيما المصافي تعمل بأكثر من 98 من طاقتها ولا توجد طاقة تكرير احتياطية اضافية في العالم .

اما التخوف الثاني، والاهم برأيي، فكان من محاولات الدول المستهلكة خاصة بريطانيا اقناع الدول المصدرة خصوصاً السعودية بان الارتفاع الحالي في أسعار النفط كفيل بدفع الاقتصاد العالمي نحو الركود وبالتالي انهيار الطلب ومن ثم تهاوي اسعار النفط الى مستويات تضر بالمنتجين والمستهلكين . وتم تذكير أوبك تحديدا بفورة اسعار النفط السابقة في نهاية السبعينات والتي اعقبتها فترة من تردي الاسعار لمدة طويلة .

وذلك تخوف لا يوجد ما يبرره، فالكل يعرف ان اسباب التباطؤ واحتمالات الركود في الاقتصاد العالمي تعود لاختلالات هيكلية في اكبر اقتصاد في العالم (الاقتصاد الامريكي) وانهيار القطاع العقاري فيه وما تبعه من ازمة انكماش ائتماني اضرت بنشاط القطاع المصرفي العالمي . ويبدو حتى الآن ان الاقتصاد العالمي قادر على استيعاب ارتفاع اسعار الخام حتى مستويات 150 دولاراً للبرميل من دون تبعات كارثية .

اما التحذير الثاني من جانب المستهلكين، بان ارتفاع اسعار النفط والغاز قد يدفع باتجاه تطوير بدائل للطاقة ومن ثم انهيار الطلب واسعار النفط والغاز، فهو تحذير لا يزال في نطاق التفكير بالتمني . وما دعوة المنتجين للاستثمار في بدائل الطاقة الا دليل على ان المنتجين يدركون ان مشكلة الطاقة بالنسبة لهم كما هي بالنسبة للمستهلكين مشكلة كفاية، ومن ثم لن تتردد الدول النفطية في الاستثمار في بدائل للطاقة لتأمين احتياجات الكوكب في حال تراجع مخزون النفط العالمي .

واذا اخذنا في الاعتبار اكثر التقديرات محافظة، فإن الطلب العالمي على النفط مرشح للوصول الى ما بين 100 الى 110 ملايين برميل يوميا من نحو 86 مليون برميل يوميا الآن . واكثر التقديرات تفاؤلا لانتاج الطاقة من الوقود الحيوي وغيرها تشير الى امكانية توفير ما بين 3 الى 5 ملايين برميل يوميا بنهاية العقد الحالي . اي ان البدائل قد لا تصل الى تلبية واحد في المائة من الطلب العالمي على الطاقة . اضف الى ذلك تبعاتها السلبية على اسعار الغذاء ووفرته وحتى اضرارها البيئية التي لم يثبت حتى الآن انها اقل من اضرار النفط والغاز .

محلل اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"