وقائع تعتمدها السياسات الترامبية

00:10 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. لويس حبيقة *
يقول إدوارد لوس في كتابه عن «تراجع الليبيرالية الغربية»، إن هنالك خوفاً من أن تكون أضرار سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أكبر بكثير مما يظهر اليوم إلى العلن.

ما هي الوقائع التي تعتمد عليها السياسات الترامبية الجديدة؟ يقول «ريشارد هاس» في كتابه «الفوضى العالمية»، إن الخيار هو بين تعديل النظام العالمي أو الإكمال في الفوضى والضياع الحاليين. يقول هاس إن أهم المشاكل التي يتصورها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ويرغب في معالجتها، هي العلاقات مع الصين وركائز العولمة والعلاقات السياسية والتجارية الدولية. هنالك تصور مبني على الواقع والعقيدة، وهنالك حلول يمكن أن تؤدي إلى النتائج الفُضلى أو تعيق وتعقد العلاقات الدولية.
أولاً: في العلاقات مع الصين، وضع ترامب تعريفات مهمة على استيراد الفولاذ والألمنيوم وستلحقها عقوبات أخرى على المارد الكبير. هنالك خوف من حرب تجارية تضر بالجميع وبالاقتصاد الدولي والدول النامية تحديداً. خرج ترامب من اتفاقية التجارة مع دول المحيط الهادئ، وكأن من فاوض سابقاً عليها هو جاهل. يحاول إعادة التفاوض حول اتفاقية التجارة مع كندا والمكسيك، كما على اتفاقية البيئة التي وقعت في باريس وخرج منها.
من الممكن أن ينضم إليها مجدداً إذا عدلت بالطريقة التي يرغب بها. يرتكز ترامب على فكرة أن من وضع ووقع الاتفاقيات السابقة لا يعرف مصلحة أمريكا، أكان جمهورياً أو ديمقراطياً. هو الوحيد الذي يعرف ما يهم الأمريكي. الغريب في مؤتمر دافوس، أن الرئيس الصيني كان المدافع الأول عن النظام الرأسمالي وكان بعض الرؤساء الغربيين منتقدين جداً؛ بل معارضين للعديد من الظواهر الرأسمالية. ثانياً: في العولمة وفهم العلاقات الدولية، تشير الوقائع إلى رغبة الرئيس الأمريكي في تحدي العالم والشعوب، تماماً كما فعل مع قضية السفارة الأمريكية. مبدأ وضع العقوبات والتعريفات خطير، وكأن «الأستاذ» يعاقب الطلاب القاصرين الذين يجهلون ماذا يفعلون. عقوبات على الصين وكوريا وروسيا، وبقية دول العالم، وكأن الأستاذ يمارس صلاحياته الموضوعة من قبله والمفروضة على الجميع. يضع ترامب المبادئ ومدى القدرة على التحرك حولها، ويعاقب من لا ينفذ أو من يفكر بعدم التنفيذ. يجهل ترامب ربما أن الإنتاج لم يعد محلياً بل دولياً. مثلاً هاتف شركة «أبل» يصنع في 9 دول وبالتالي هو سلعة عالمية، ويعتمد على خدمات عالمية أيضاً.
ثالثاً: هل يشكل ترامب خطراً على النظام العالمي المبني على الحريات الاقتصادية والديمقراطية الانتخابية؟ يقول «إدوارد لوس» في كتابه عن «تراجع الليبيرالية الغربية»، إن هنالك خوفاً من أن تكون أضرار سياسات ترامب أكبر بكثير مما يظهر اليوم إلى العلن.
من هذه الأضرار تعثر أوضاع الدول النامية وخاصة الفقراء داخلها؛ إذ لا يدخل هذا الموضوع ضمن اهتمامات الرئيس لكن شظاياه لا بد أن تؤثر في أمريكا نفسها. لا شك في أن السياسات الاقتصادية الموضوعة منذ الستينات في الدول الغربية والمصدرة إلى كل دول العالم، لم تعط النتائج المتوخاة، بل سببت الخسائر والفقر والبطالة والأزمات آخرها في 2008. الحل لا يكمن في الانعزال والحمايات والعقوبات؛ بل في تطوير وتحسين العلاقات الدولية عبر التفاهم والتعاون. ربما يكون دواء ترامب أسوأ من الداء، وهذا ما سيفهمه العالم والأمريكيون لكن ربما متأخرين أي بعد 8 سنوات من حكم الملياردير.
رابعاً: تطورت التكنولوجيا العالمية بفضل الانفتاح التجاري وتحسن العلاقات بين الدول، عبر انتقال الخبرات والعقول وازدهار المختبرات والتجارب العلمية في كل العالم. الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي ليسا إنتاجاً أمريكياً بل عالمياً، وسيغيران كل شيء بدءاً من دور الإنسان إلى العلاقات بين البشر والإنتاجية.
خامساً: يجهل بعض السياسيين أن التعامل مع الناس لا ينجح إلا إذا عالج مشاكل البيئة والمجتمعات التي ينتمي إليها، أو ما تسميه «أمي شوا» القبيلة في كتابها «القبائل السياسية». تفسر فوز ترامب بأنه استغل الشعور القبلي عند البيض وبالتالي تجمعوا لانتخابه. تفسر خسارة أمريكا لحرب فيتنام بتجاهلها للأصول القبلية للشعوب واعتبارهم شيوعيين يريدون ضرب النظام الرأسمالي ضمن الحرب الباردة. أخطأ في التقدير والمعالجة.

* اقتصادي لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"