معضلة السياسة النقدية الإيرانية

05:16 صباحا
قراءة 4 دقائق

فيما يتابع العالم أخبار عودة المفاوضات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والقوى الرئيسية في العالم بشأن برنامج إيران النووي، وما تعلنه طهران بين فترة وأخرى عن تطورات نووية لديها تشهد البلاد داخلياً تطورات اقتصادية ربما تكون أهم بكثير من تلك الأخبار المثيرة التي تملأ وسائل الإعلام عن إيران . إذ يوشك الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد على فقدان واحدة من أهم أدوات سيطرته الاقتصادية في البلاد وسط خلافات حادة بشأن السياسة الاقتصادية للحكومة، والسياسة النقدية منها بخاصة .

ولم يعد الخلاف قاصراً على الرئيس نجاد ومعارضيه التقليديين من ليبراليين وتكنوقراط، بل امتد ليشمل قطاعاً مهماً من الجناح المحافظ في الساحة الإيرانية الداخلية .

وكان أوضح تعبير عن ذلك الخلاف موافقة البرلمان الإيراني في منتصف نوفمبر على قانون يهدف إلى تعزيز استقلالية البنك المركزي الإيراني المسؤول عن تحديد السياسة النقدية للبلاد . ورغم أن الرئيس الإيراني وحكومته لديها بعد طرقاً لتجاوز ذلك القانون، إلا أن تمريره في البرلمان يعكس اتساع دائرة المعارضة لخطط الرئيس نجاد الاقتصادية .

وحسب النظام الحالي يرأس رئيس الجمهورية الجمعية العمومية للبنك المركزي وتتكون الجمعية من ثلاثة وزراء ورئيس هيئة التخطيط الحكومية، ومن سلطة الرئيس تعيين رئيس البنك المركزي . واستخدم الرئيس محمود أحمدي نجاد هذا الحق بوضوح في فترة رئاسته الأولى وفصل اثنين من محافظي البنك اعترضا على تدخله في السياسة النقدية التي يحددها البنك .

ففي 2007 فصل الرئيس محافظ البنك المركزي وقتذاك إبراهيم شيباني وبعد عام فصل خلفه تاهمساب مزهري . وتركز تدخل الرئيس في إصراره على تخفيض أسعار الفائدة الأساسية وتقديم القروض الميسرة للأعمال الصغيرة بهدف خفض معدلات التضخم .

تقدم بمشروع القانون الجديد نائب رئيس البرلمان محمد رضا باهونار، وهو شخصية رئيسية في الفريق المعارض لنجاد ضمن الجناح المحافظ الذي يحظى بأغلبية في البرلمان الحالي . ويطالب القانون الجديد، الذي أقر باغلبية طفيفة، بزيادة أعضاء الجمعية العمومة للبنك المركزي إلى 11 عضواً بإضافة عدد من الاقتصاديين الأكفاء وألا تضم الرئيس أو وزراء الحكومة . والهدف هو الحفاظ على البنك المركزي مستقلاً عن الإدارة التنفيذية وأن يتولى وضع السياسة النقدية على أساس مهني صرف بعيداً عن أي تدخلات سياسية .

ومن الأهداف الأخرى للتعديل حماية أصول البنك المركزي من العقوبات الدولية بتأكيد أنه ليس جزءاً من الحكومة . وإذا كانت العقوبات الدولية التي أقرتها الأمم المتحدة تتعلق في الأساس ببرنامج إيران النووي وما له صلة به، إلا أن عقوبات غربية مثل الأمريكية والبريطانية والفرنسية تستهدف قطاعات أوسع من الاقتصاد الإيراني وخاصة قطاع المصارف والقطاع المالي .

ومع أن الرئيس الإيراني وحكومته يمكنهم عرقلة التصديق على القانون من مجلس صيانة الدستور، إلا أن تمريره في البرلمان يضيف إلى المعارضة الداخلية لسياسات حكومة الرئيس نجاد الاقتصادية . فقد واجه الرئيس انتقادات لخططه في الميزانية الحالية التي بدأت في 21 مارس وتضمنت خفضاً تدريجياً لدعم السلع الأساسية .

وتأخرت الحكومة في رفع الدعم، ثم بدأت في تطبيقه مؤخراً دون الإعلان عن أي تفاصيل لخططها لبقية العام المالي الحالي خشية حدوث ردود فعل مجتمعية تماثل ما حدث عام 2007 عندما وقعت اضطرابات بسبب تقنين الوقود المدعم . ومع أن تلك الاحتجاجات تمت السيطرة عليها، إلا أن تكرارها الآن في هذه الظروف يمثل مشكلة أكبر لحكومة الرئيس نجاد .

يكلف دعم المواد الأساسية الحكومة الإيرانية ما يصل إلى 100 مليار دولار سنوياً، وأصبحت فاتورة الدعم غير محتملة في السنوات الأخيرة رغم الأرقام الرسمية الوردية بشأن أداء الاقتصاد الكلي . كما أن الرئيس نجاد يرى أن أغلب الدعم يصل إلى غير مستحقيه من ميسوري الحال على حساب الفقراء . إلا أن منتقدي الرئيس الإيراني وحكومته يقولون إن الهدف من إلغاء الدعم هو السيطرة على الأموال المتوفرة منه والتي سيكون بإمكان الرئيس تخصيصها لأبواب إنفاق دون رقابة برلمانية . ويبدو أن الحكومة حاولت تفادي ضغوط المعارضة المتزايدة فأجلت إلغاء الدعم الذي كان مقرراً للشهر قبل الماضي (اكتوبر) وتقدر بقيمة 20 مليار دولار . لكن التأجيل لم يحل دون ذعر الناس واصطفاف الطوابير الطويلة على منافذ المواد الأساسية، خاصة البنزين، لتخزينها قبل إلغاء الدعم عليها .

وفي محاولة لتفادي خسارة قاعدته الشعبية، كرر الرئيس محمود أحمدي نجاد مراراً أن الغاء الدعم لن يضر بالفقراء، إذ سيحصل معظم الإيرانيين على 40 دولاراً شهرياً كتعويض عن زيادة أسعار المواد الأساسية، ويتوقع أن يصل عدد المستفيدين إلى 60 مليون إيراني .

لكن عدداً معقولاً من الاقتصاديين الإيرانيين يحذر من أن كل تلك الجهود لن تفلح في خفض التضخم، ويتوقع بعض المتشائمين أن يصل إلى نسبة 50 في المئة هذا العام .

وستكون تلك كارثة بعدما تمكنت الحكومة من خفض معدلات التضخم بشكل كبير في العامين الأخيرين، إذ تراجع من 30 في المئة عام 2008 إلى 25 في المئة بنهاية العام الماضي . كما يشكو القطاع الخاص من الضرر الذي يمكن أن يلحق به في حال زيادة كلفة الطاقة اللازمة للإنتاج، ومن ثم عدم قدرته على توفير وظائف في اقتصاد يعاني من بطالة نسبتها الرسمية عند 10 في المئة بينما يقدرها اقتصاديون إيرانيون بأكثر من 15 في المئة .

خبير اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"