الاقتصاد الإفريقي.. تغيير قواعد اللعبة

02:09 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. عبدالعظيم محمود حنفي *

ما زالت التجارة في إفريقيا تتشكَّل من خلال العلاقات والبنية التحتية، التي يعود تاريخها للحقبة الاستعمارية، حيث تقوم معظم الدول ببيع السلع الأولية إلى قارات أخرى. ويتم تداول نحو 18% فقط من صادراتها داخل إفريقيا؛ لأنها غالباً ما تواجه رسوماً مرتفعة.
شهدت القمة الإفريقية الاستثنائية التي استضافتها النيجر، يومي السابع والثامن من شهر يوليو/ تموز الجاري الإطلاق الرسمي لمنطقة التجارة الحرة الإفريقية في إطار الاتفاقية التي وقع عليها 24 من أصل 55 دولة من دول القارة، ودخلت حيز التنفيذ في الثلاثين من مايو/ أيار الماضي، وهو ما يعد نقطة تحول في مسار التعاون الاقتصادي لدول القارة السمراء. وسبق أن اعتمدت الدورة العادية الثامنة عشرة لمؤتمر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي في يناير/ كانون الثاني 2012 بإنشاء منطقة تجارة حرة قارية بحلول تاريخ إرشادي هو العام 2017. وفي 21 مارس/ آذار من العام 2018، وقَّع مجموعة من الزعماء الأفارقة اتفاقية تجارة حرة على مستوى القارة في كيجالي.
وعلى الرغم من أن جميع أعضاء «الاتحاد الإفريقي»، البالغ عددهم 55 عضواً، كانوا يتشاركون في مفاوضات بشأن منطقة التجارة الحرة القارية، إلا أن الجميع لم يكونوا على استعداد للتوقيع عليها. وفي ذلك اليوم، وقّع 44 عضواً على الاتفاقية. وكان من بين المُدافعين عن الاتفاقية «نيجيريا»، أكبر اقتصاد في إفريقيا، ووضع القادة الأفارقة في ثنايا قراراتهم ما أعلنته منظمة التجارة العالمية عام 2012 بأن مستوى التجارة الإفريقية البينية يمثل 12,8% مما يعد منخفضاً جداً مقارنة بالأقاليم الأخرى في العالم.
وشكل نصيب إفريقيا من الصادرات الإجمالية عام 2012 في تدفقات التجارة العالمية 3,5% ما يعد كذلك في غاية الانخفاض مقارنة بالأقاليم الأخرى. وتماشياً مع الأهداف الاستراتيجية لمبادرة أجندة الاتحاد 2063، تتيح منطقة التجارة الحرة القارية أداة يمكن استخدامها من أجل وضع القارة استراتيجياً لاستغلال مواردها التجارية وفرصها الاستثمارية والإسهام إيجابياً نحو التحول الهيكلي للاقتصادات الإفريقية.
وفي سياق عملية تحول إفريقيا، يتعين أن تساهم منطقة التجارة الحرة القارية في القضاء على الفقر وأن تؤثر إيجابياً في حياة المواطنين. وتهدف منطقة التجارة الحرة القارية إلى زيادة حجم التجارة البينية الإفريقية من 17 في المئة إلى 60 في المئة بحلول عام 2022، وتقليص السلع المستوردة بشكل رئيسي وبناء القدرات التصنيعية والإنتاجية وتعزيز مشروعات البنية التحتية بالقارة الإفريقية. إن منطق الاتفاقية عقلاني، وما زالت التجارة في إفريقيا تتشكَّل من خلال العلاقات والبنية التحتية، التي يعود تاريخها للحقبة الاستعمارية، حيث تقوم معظم الدول ببيع السلع الأولية إلى قارات أخرى. ويتم تداول نحو 18% فقط من صادراتها داخل إفريقيا؛ لأنها غالباً ما تواجه رسوماً مرتفعةً. وتهدف منطقة التجارة الحرة القارية إلى تغيير ذلك عن طريق إنشاء «سوق قارية واحدة للسلع والخدمات».
وتعتقد «الأونكتاد» أن القضاء على ضرائب الاستيراد بين الدول الإفريقية سيزيد التجارة الإقليمية بنسبة الثلث، ويرفع معدلات نمو الناتج المحلى في إفريقيا بنحو 1% مع مرور الوقت. وحالياً، فإن ما يقرب من نصف هذه التجارة يتم في السلع المُصنَّعة، كما سيتم فتح المجال لتصدير الخدمات. ومع ذلك، فإن السعي إلى تحقيق تكامل السوق وترك الجوانب الهامة مثل تسهيل التجارة وتطوير البنية التحتية والقدرة الصناعية لن يحقق النتائج المطلوبة.
فالدول الإفريقية الأعضاء التي تعمل على تنفيذ المزيج الصحيح للسياسات يمكن لها الاستفادة من فرص السياسة والاستثمار التي يوفرها النمو الذي تتمتع به القارة حالياً. إن السعي إلى تحقيق أجندة تكامل السوق في نطاق الإطار الأوسع للاستراتيجية الإنمائية للتكامل الإقليمي يوفر فرصة يمكن من خلالها أن تستفيد أغلبية الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي من التكامل القاري.
ومن أجل الاستفادة من مبادرات تكامل السوق القارية، هناك حاجة إلى بذل الجهود نحو تطوير البنية التحتية، ولا سيما المشاريع التي من شأنها تعزيز الترابط الإقليمي. ويمكن تحقيق النجاح الطويل الأجل في تكامل السوق من خلال بناء الشركات والصناعات ذات القدرة التنافسية على الصعيد العالمي. ويعد تسيير خدمات الاقتصاد المتسم بالكفاءة، أحد العناصر الأساسية في مجال تطوير الاقتصادات التنافسية.
وفي أكثر من نصف البلدان في إفريقيا، يسهم قطاع الخدمات في المتوسط بنحو 50% من الناتج المحلي الإجمالي. وتدرك معظم البلدان الإفريقية الدور الذي يمكن أن يؤديه قطاع الخدمات في تحريك النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل. ومع الأخذ في الاعتبار أن القطاع غير الرسمي في معظم البلدان الإفريقية هو قطاع كبير، فينبغي تصميم منطقة التجارة الحرة القارية بطريقة تتيح فرصاً للشركات الصغيرة والمتوسطة تستجيب كذلك لاحتياجات التجار غير الرسميين عبر الحدود. وهناك من الآراء من يشدد على أن الرسوم ليست هي العقبة الأكثر أهمية أمام التجارة، إنما العقبة الأكبر هي أن المعايير والتراخيص مختلفة في جميع أنحاء قارة إفريقيا. ويسوقون مثالاً لمتاجر التجزئة الكبيرة في جنوب إفريقيا مع متاجر في أماكن أخرى من القارة، حيث إن لديها مخزوناً كبيراً، بحيث يأخذ الموظفون منتجات مثل معجون الأسنان من العلب التي تُستخدم في جنوب إفريقيا، ويعيدون تعبئته في عبوات تتوافق مع قواعد وضع العلامات في البلدان الأخرى.
كما تُعطِّل الإجراءات الرسمية الأمور أيضاً. وقد بحث مركز القانون التجاري، وهو مؤسسة فكرية وبحثية في جنوب إفريقيا، وقدّر الوقت الذي استغرقه التعامل مع الجمارك والموانئ في كلٍ من إفريقيا وسنغافورة، ثم تخيَّل لو تم سد الفجوة بمقدار الخُمس (1/5)؛ فستبلغ المكاسب الاقتصادية ضعف ما كان مُتوقعاً من وراء إلغاء الرسوم.
والواقع أنه لن تتغيَّر أنماط التجارة حتى تبدأ الدول في صنع أشياء يرغب جيرانها في شرائها. لكن بعض الدول تتقدَّم للأمام، آملة في أن بقية الدول ستلحق بها.
الآمال في إفريقيا تتزايد بأن الإطلاق الرسمي لمنطقة التجارة الحرة الإفريقية سيكون بمثابة منعطف لإعادة تغيير قواعد اللعبة الاقتصادية في إفريقيا، التي بالرغم من كل مشكلاتها، تبني مستقبلها.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"